هذا ديننا أيها الجامية

تاريخ النشر: 2 فبراير 2015م

 

الجامية، أو المدخلية فصيل من فصائل التيار السلفي في الجزيرة العربية، نشأ قبل حوالي عقدين من الزمان، ثم أخذ في الامتداد إلى دول عربية أخرى.

ينسب هذا الفصيل إلى الشيخ محمد أمان الجامي (ت 1416هـ)، وإلى رفيق دربه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي.

 

يتصف هذا الفصيل بعدة أمور هي من الدواهي والبلاوي، ولكننا نتكلم في هذا المقال عن مسألة واحدة فقط، هي من أشهر ما عرف به هذا الفصيل الذي يدعي الانتساب إلى السلف الصالح رضي الله عنهم. هذه المسألة هي: موقفهم من الحكام.

يكاد هذا الفصيل أن يرفع مقام الحكام إلى مرتبة الألوهية، فلا يسألون عما يفعلون! أو بأقل تقدير، إلى مرتبة هي فوق البشر، ودون الرب عز وجل!

 

فحال الجامية مع الحكام يذكرنا بموقف عدي بن حاتم رضي الله عنه، قبل إسلامه، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قرأ عليه الصلاة والسلام الآية: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}، فقال عدي: "إنهم لم يعبدوهم"؛ فقال: "بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم". (رواه الترمذي والطبراني والبيهقي)

 

عند الجامية، لا يجوز نقد الحكام، ولا توجيه النصيحة لهم علانية، لا عن طريق مقال ولا تصريح ولا بيان، ومن يفعل ذلك كمن خرج على الحكام بالسيف، سواء بسواء!

الجامية يحرمون المظاهرات، ولو ضد الطواغيت، ويحرمون النقد البناء ولو لحاكم باع البلاد والعباد للأمريكان والصهاينة، ويحرمون مطالبة الشعوب لحكامهم بالعدل والمساواة، ويسكتون سكوت الموتى حين يتعلق الأمر بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا نصيحة، ولو همسا، لحاكم بلغ المدى في الظلم والطغيان والسلب والنهب.

 

يتعلق الجامية ببعض الأحاديث الشريفة ويجيّرونها لصالح منهجهم الضال المضل. فيذكرون حديث: "تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع". (رواه مسلم)

هم يتجاهلون حقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بالصبر على الظلم، حاشاه، ولا يرضى للمؤمنين الذل والهوان.

والمؤمن مطلوب منه السمع والطاعة إذا ألهب الحاكم ظهره بحق، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ابن عمرو بن العاص، الذي ظلم المصري القبطي في القصة المعروفة، فالذي ضُرب هنا (ابن عمرو بن العاص)، إنما ضُرب تحقيقا للعدل، فيظل مطالَبا بالسمع والطاعة في المعروف.

يعلق الإمام ابن حزم رحمه الله حول حديث ضرب الظهر وأخذ المال أن الصبر على الإمام إذا أخذ المال وضرب الظهر إنما هو إذا تولى ذلك بحق، ويقول: "أما إذا كان ذلك بباطل فمعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك". (الفصل في الملل والأهواء والنحل، 3/105)

 

الجامية تجعل من مجرد مناصحة الحكام فتنة كبرى يجب اجتنابها! مع أن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام تعرض للعتاب من فوق سبع سماوات، وخلفائه الكرام كانوا يتعرضون للمساءلة في المساجد والطرقات.

يأبى الجامية إلاّ أن يجعلوا من ديننا دين الذل والهوان، لا دين العزة والكرامة، يريدون أن يحولوا الإسلام إلى دين للعبودية للمخلوق، لا للخالق سبحانه.

عن عبد الله بن عمرو (رض) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له إنك أنت ظالم فقد تُودع منها". (رواه أحمد وصححه أحمد شاكر، والحاكم والبيهقي وضعفه الألباني)

وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه". (رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والنسائي وابن حبان)

 

كان خطاب الصحابة رضي الله عنهم وهم يفتحون قلوب الناس وبلدانهم: "جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد".. أما لسان حال الجامية فيقول: "جئنا لنخرج العباد من عبادة الله إلى عبادة الحكام"!

 

والمأساة الحقيقة تتمثل في سوء استخدام الدين من قبل هؤلاء الجامية على الوجه التالي:
1) تحوير وتحريف وتأويل النصوص الشريفة..
2) إشهار بعض النصوص وإخفاء أخرى، بطريقة تشوه الفقه السياسي الإسلامي وتخرجه من مضمونه.

 

يُروى أن عمر بن الخطاب رأى رجلا يتماوت ويتذلل، فنهره بشدة وقال له: "لا تمت علينا ديننا أماتك الله"..

أيها الجامية: لا تميتوا علينا ديننا، أصلحكم الله.