منطق البهتان ومسلك العدوان في التعامل مع الإخوان

تاريخ النشر: 10 فبراير 2013م

 

منذ اندلاع أحداث الربيع العربي، والإخوان المسلمون يتعرضون لحملة تشويهية غير مسبوقة من حيث الكمّ والكَيف.

في البحرين، وعموم خليجنا العربي، يتزعم مجموعة من الكتّاب والساسة، يشكلون (كوكتيلا) غريبا من حيث التوجهات والدوافع، رأس الحربة في الهجوم على الإخوان عموما، وعلى الدكتور محمد مرسي خصوصا.

يتخذ هذا (الكوكتيل) من العلاقات مع إيران، ستارا للهجوم على الإخوان. فركزوا على أمور من قبيل زيارة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي لمصر في 13 يناير الماضي، وزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الأخيرة للقاهرة.

وركزوا كذلك على الخبر (المفبرك) عن زيارة سرية قام بها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني للقاهرة، بالرغم من نفي الحكومة المصرية لهذا الخبر جملة وتفصيلا.

 

لنَرَ الآن مدى مصداقية هذا (الكوكتيل) الشاذ وشجاعته!

إذا كان مجرد هذه الزيارات واللقاءات سببا موجبا للهجوم على مصر والدكتور مرسي والإخوان، فماذا عن العلاقات والزيارات واللقاءات والاتفاقيات والبلاوي التي تربط إيران بكل دول الخليج العربي؟!

أليست هي الأخرى سببا موجبا للهجوم على هذه الدول وحكوماتها، أم أن ما هو حرام على مصر، يكون حلالا حلو المذاق لدول الخليج؟!

 

إليكم هذه الحقائق:

 

◄ البحرين: يشتكي شعب البحرين مرّ الشكوى من سياسة المداهنة الغريبة التي تنتهجها القيادة السياسية تجاه إيران، من مجاملات ومداهنات تثير الاشمئزاز، والتي كان آخرها إرجاع السفير البحريني إلى مقر عمله في طهران في أغسطس 2012م، في الوقت الذي رفضت فيه إيران إرجاع سفيرها لدى المنامة بزعم (استمرار الحكومة البحرينية في اضطهاد الشيعة)! كانت هذه صفعة مؤلمة وجهتها حكومة (الولي الفقيه) إلى الحكومة البحرينية.

 

◄ قطر: في قمة قادة مجلس التعاون الذي عقد بالدوحة في ديسمبر 2007م، كان الرئيس الإيراني موجودا في المؤتمر، وألقى كلمة عن (الأمن والسلم في المنطقة)! ونتساءل: أين أفراد (الكوكتيل)، من ساسة عباقرة وكتّاب فطاحل من هذا الفعل غير المفهوم: تزرع إيران الفتن والقلاقل في كل شبر من ديارنا، ثم نستقبل رئيسها في قمة القادة ليحدثنا عن الأمن والسلم؟! ثم نهاجم الإخوان لعلاقتهم مع إيران؟!

 

◄ عُمان: قالت جريدة عكاظ: "رست سفينة (نصر البحر) التابعة للقوة البحرية لسلطنة عمان بالمنطقة الأولى للقوة البحرية للجيش الإيراني في بندر عباس، وعلى متنها مروحية. وقالت وكالة (مهر) للأنباء، أمس إن رسو السفينة جاء بهدف تعزيز الإتحاد بين البلدين الجارين إيران وعمان".
(جريدة عكاظ السعودية، 22 يناير 2013م)

يا سلام! تعزيز الاتحاد بين إيران وعمان؟! أين أنتم يا عديمي الضمير من كتّاب وصحفيين ومفكرين استراتيجيين؟

 

◄ الكويت: امتنعت الكويت عن المشاركة في قوات درع الجزيرة التي دخلت البحرين في مارس 2011م للمساهمة في حمايتها من إيران وعملائها في الداخل، أما عن البعثة الطبية العسكرية التي أرسلتها الكويت، فقد قالت جريدة (القبس): "عادت القافلة الطبية الكويتية التي كانت قد اتجهت إلى البحرين صباح أمس الأول بناء على توجيهات سمو أمير البلاد إلى أرض الوطن بعدما تم إبلاغها من السفارة الكويتية في البحرين صباح أمس وللمرة الثانية برفض السلطات البحرينية السماح لها دخول الأراضي البحرينية، دون إبداء الأسباب. قرار الرفض البحريني جاء بعد أحداث متسارعة لم تعرف أسبابها، تباين فيها قرار السلطات البحرينية بين الرفض والقبول. فبعد عبور القافلة الطبية ظهر أمس الأول الحدود الكويتية السعودية وأثناء سيرها في الطريق إلى البحرين وتحديداً قبل وصولها على بعد 160كيلو مترا من مدينة الدمام السعودية، تلقى المسئولون في الفريق الطبي اتصالا من السفارة الكويتية في البحرين يفيدهم بعدم موافقة السلطات البحرينية على دخولهم الأراضي البحرينية".
(جريدة القبس الكويتية، 21 مارس 2011م)

واكتفت الكويت -منعا للحرج- بإرسال زورق حربي للقيام بأعمال الدورية البحرية! وقد يكون السبب الرئيس في امتناع الكويت إرسال قواتها ضمن وحدات درع الجزيرة، المحافظة على الروابط الوثيقة التي تربطها بإيران.

 

◄ الإمارات: من المفترض أن تكون دولة الإمارات هي رأس الحربة في التصدي لإيران ومخططاتها الإجرامية في المنطقة، باعتبار أن إيران تحتل ثلاث جزر إماراتية منذ أربعة عقود، ولكننا نجد العلاقات بين البلدين على أحسن ما يرام، بالرغم من بعض التصريحات الساخنة أحيانا. فحجم التبادل التجاري بين البلدين يقدر بالمليارات سنويا، وتبادل الزيارات الرسمية على قدم وساق!

 

◄ السعودية: ترتبط السعودية مع إيران باتفاقية أمنية منذ عام 2001م. قالت جريدة (البيان): "فيما يعد خطوة مهمة نحو مزيد من التعاون بين الرياض وطهران، توصلت المملكة العربية السعودية وإيران في أبريل العام الماضي إلى اتفاقية أمنية لتنظيم التعاون في مختلف المجالات الأمنية التي تهم البلدين، حيث تتضمن الاتفاقية بنوداً لمكافحة الجريمة والإرهاب وغسيل الأموال إضافة إلى مراقبة الحدود البحرية والمياه الإقليمية بين البلدين وبقية الأمور ذات الصلة بوزارتي الداخلية في البلدين".
(جريدة البيان الإماراتية، 3 أكتوبر 2001م)

وقالت جريدة (الشرق الأوسط): "استقبل الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية أمس غلام حسين بلنديان مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية وقوات الأمن الإيراني وذلك في مقر وزارة الداخلية. وتم خلال الاستقبال التأكيد على كل ما يحقق أهداف الاتفاقية الأمنية الثنائية التي تم توقيعها في إيران بين وزير الداخلية السعودي ووزير الداخلية الإيراني. وقد تبودلت خلال الاستقبال الهدايا".
(جريدة الشرق الأوسط السعودية، 13 نوفمبر 2001م)

وهذا التعاون بين البلدين مستمر منذ عشر سنوات. قالت جريدة (إيلاف) الإلكترونية: "برزت زيارة رئيس جهاز الاستخبارات الإيراني وزير الأمن والاستخبارات بالجمهورية الإسلامية الإيرانية حيدر مصلحي ولقاءه ولي العهد السعودي وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز كأهم حدث سياسي تشهده العاصمة السعودية الرياض اليوم الاثنين. ووفقا لوكالة الأنباء السعودية الرسمية فإن اللقاء بحث فيه الطرفان عدد من الموضوعات ذات الاهتمام وصفتها بالمشتركة".
(جريدة إيلاف السعودية، 12 ديسمبر 2011م)

ونحن على يقين، أن شقيقتنا الكبرى السعودية، مضطرة لإقامة مثل هذه العلاقات بحكم الجوار الجغرافي، والحرص على مصالح الدولة، وأن السعودية في التمكين لمصالحها، تراعي أيضا مصالح مملكة البحرين. كلنا نؤمن بذلك، فما بال كتّاب الفتنة يتطاولون على مصر، ولا يرضون أن تقوم شقيقتنا الكبرى الثانية، مصر، بالسعي على مصالحها أيضا؟!

ونحن على يقين أيضا أن أمن الخليج العربي خط أحمر بالنسبة لمصر، كما أكّد قادتها ذلك مرارا منذ الأيام الأولى لتقلد الرئيس مرسي زمام الحكم.

لماذا تُهاجم مصر ورئيسها بسبب زيارة أحمدي نجاد لحضور قمة التعاون الإسلامي لعام 2013م، ولا ينطق أحد عندما يزور نجاد السعودية لحضور قمة التعاون الإسلامي لعام 2012م؟!

 

ولنا ملاحظة هامة:

نحن إنما نستشهد بمثل هذه الأمثلة لمحاججة هذا (الكوكتيل) العجيب من كتّاب وإعلاميين وغيرهم. فنحن لا نشكك أبدا في الموقف الرجولي الشهم الذي أظهره الأشقاء في (بعض) دول الخليج العربي تجاه إخوانهم في البحرين، وخاصة السعودية، إذ كان لها الفضل الكبير، بعد المولى عز وجل، في إفشال مخطط الفتنة الصفوية في البحرين.

سيظل الشعب البحريني يدعوا بالخير والسداد والتوفيق للسعودية: لحكامها، وعلمائها، وشعبها الأبي، وجيشها الباسل.

 

وليسجل التاريخ معنا هذه الحقائق، وليمت من شاء بغيظه:

 أول زعيم عربي، وأول قائد مسلم، يعلن من طهران تمسكه بـ (سنيّته) بكل فخر واعتزاز هو الرئيس الدكتور محمد مرسي، رئيس جمهورية مصر العربية، حين أعلن، في حركة مقصودة ومدروسة، ترضّيه عن الخلفاء الراشدين في قمة دول عدم الانحياز في طهران، بينما كل أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والسيادة والسعادة لا يرجعون من طهران إلا بالابتسامات الفارغة والمجاملات الخاوية.

الدولة الوحيدة التي رُمي فيها الرئيس الإيراني بالأحذية هي مصر، في ظل رئيسها الإخواني!

المرة الأولى، التي يتخذ فيها الأزهر الشريف مثل هذا الموقف الحاسم والحازم من إيران ومؤامراتها، إنما حصل في ظل رئاسة الدكتور مرسي. بينما كان الأزهر طوال العقود الماضية، وفي ظل الملك فاروق، ثم عبد الناصر، ثم السادات، ثم مبارك، يتبع سياسة المجاملات مع الشيعة، ويحرص على التقريب ولو على حساب أهل السنة في إيران، ويتجاهل تماما قضية الشعب الأحوازي المظلوم.

 

نحن نشهد هذه الأيام عجيبة ثامنة تضاف لعجائب الدنيا السبع!

لقد أصبح (الدرهم) الخليجي يزاحم الدولار الأمريكي! لا يزاحمه في البناء والتعمير والتنمية، بل يزاحمه في تدبير الانقلابات والفتن في مصر، بينما شعب الخليج يشتكي من فتن إيران! ويزاحمه في تمويل الحملة الصليبية على مالي!

أما كتّاب (الكوكتيل) فقد فقدوا الإحساس بكل شيء: بالمكان والزمان، بالتاريخ والواقع، بالعدو والصديق.. وبعضهم ينام ويستيقظ على أمل أن يتساقط عليه شيء من مليارات (الدراهم) المتطايرة هنا وهناك.