أصيب بالصرع مع قرب الانتخابات اليسار البحريني ومثلث الموت

تاريخ النشر: 9 فبراير 2007م

* كـُتب المقال متزامنا مع الانتخابات النيابية البلدية 2006م

 

لا يمنعنا الاختلاف الفكري والمنهجي مع اليسار البحريني أن نعترف له بالنشاط السياسي والحركي منذ خمسينيات القرن المنصرم، وما تحملوه من تضحيات في سبيل تحقيق المبادئ التي آمنوا بها (محليا) وأمليت عليهم (خارجيا)! ولكن العجب كل العجب هو الوضع الذي انتهى إليه اليسار اليوم.

فمن المعروف أن التيارات اليسارية العربية قد وقعت في مأزق فكري وانتمائي خطير مع سقوط المنظومة السوفييتية وتراجع المد اليساري عالميا، ووجدنا "الرفاق" وقد انقسموا طرائق قددا:
1) فمنهم من تخلى عن اليسار وأهله وتبرأ منهم..
2) ومنهم من تمسك بشيوعيته واعتبر أن الماركسية قد سقطت سياسة ً لا فكرا..
3) ومنهم من كان كالسابق متمسكا بشيوعيته، ولكنه أصبح يزين خطبه وكتاباته بالآيات والأحاديث..
4) ومنهم من غلـّف يساريته بالغطاء الليبرالي الجديد، الذي أصبح موضة لكل معاد للمنهج الإسلامي ودعاته، وأصبح يقدم نفسه كرمز من رموز الليبرالية.

ويبدو أن الخيار الأخير (الليبرالية) قد أصبح هو الأكثر "شيوعا" في أوساط الرفاق.

 

أقول، قد عرفنا واطلعنا على التحولات التي طرأت على اليسار البحريني العتيق، ولكن أن يضع نفسه في هذا الموضع الذي هو كائن فيه اليوم، مع قرب موعد الانتخابات، فهذا من أشد العجب وأغرب الغريب، وقد يكون مفهوما أن يصاب اليسار بهذا النهم والشراهة تجاه صناديق الاقتراع، ولكن أن يضع نفسه في هذا المأزق الخطير الذي سيكون له آثارا وخيمة على النسيج الاجتماعي والحراك السياسي "السلمي" في مملكتنا الغالية، فهذا مما لن يكن يتوقع منه!

 

لقد وضع اليسار في بلادنا نفسه بين أضلاع ثلاثة لن تعود عليه إلا بالوبال.. لقد أحاط نفسه بأكاذيب "مسيلمة".. وبحقد "تروتسكي".. وبأجندات "الكتلة الإيمانية"!

 

أما أكاذيب "مسيلمة"، فبلجوئهم إلى أساليب نشر الشائعات وترويج خطاب الفتنة من خلال انتقالهم بين المقار الانتخابية ومحاولة تشويه صورة المنافسين لهم بإتباع منهج (تضخيم الأخطاء وأوجه القصور وتقزيم الإنجازات والإيجابيات)، واختصوا بعملهم هذا التيار الإسلامي السني، خاصة المنبر الوطني الإسلامي.. لم لا؟ أليس هذا التيار هو المسئول عن تراجع وإفلاس اليسار مع بزوغ نجم الصحوة الإسلامية المباركة؟ فحان إذن وقت الانتقام! وبلغوا في نشرهم لكل ما هو خلاف للواقع مرتبة يحسدهم عليها مسيلمة نفسه!

أتذكرون مسيلمة؟ إنه الذي تطاول على رب العالمين وألف آيات من عنده ليضل بها قومه، فكان مما قال: (يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، نصفك في الماء، ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين)!

ولكني أقترح على يسارنا البحريني المناضل أن يتبنى هذه "الآيات الجديدة"(!) بدلا من آيات مسيلمة التي عفا عليها الزمن.. ما رأيكم في: (يا أيها الناخبون والناخبات، لا تنسوا نصيبنا من الأصوات، وإلاّ أشعلناها عليكم فتنة وثورات..)!! أو: (سندخل البرلمان ولو بعد حين، فعن يسارنا لينين، وعن يميننا كتلة المؤمنين، ولن نبالي بالأصالة والمنبريين، ولا بكل غث أو سمين)!!

 

أما حقد "تروتسكي" فأشير إلى شعار (الحقد سلاحنا لقلب العالم) الذي تبناه المنظر الشيوعي الشهير الرفيق تروتسكي، والذي بلغ من التطرف حدا اشتكى منه حتى رفيق دربه وسفاح التاريخ المعاصر ستالين، الذي اضطر لإسكاته أن يرسل له هدية إلى مقر إقامته في المكسيك، هي عبارة عن مطرقة حديدية بيد أحد أزلامه حطم بها جمجمة رفيق دربه.

ويبدو أن العمل ضد تطلعات المجتمعات الإسلامية ومناقضة الأهداف الوطنية له وجود أصيل في تراث الرفاق. ألم يكتب الشيوعي العراقي العتيد يوسف سلمان المعروف بـ (فهد) هذه الكلمات: (مرحبا بإنشاء دولتين عربية ويهودية في فلسطين، وأشترط لهما الاشتراكية والتحالف ضد الرجعية الدينية العربية)!! وألم ينشر الحزب الشيوعي المصري في 20 ديسمبر 1947م في جريدته (الوعي) تحليلا لمشكلة فلسطين تقول فيه: (..وإذا قلنا حق تقرير المصير، فمعنى ذلك تخويل الأمة حق الانفصال، فإذا اعترفنا بحقيقة تكوين اليهود في فلسطين كأمة، فلا يمكن أن ننكر عليها حق الانفصال عن الأمة العربية، وتكوين دولة يهودية في جزء من البلاد العربية)!!

نصيحتي لبقايا اليسار في بلادنا أن ينسوا أحقاد الماضي ويشاركوا غيرهم في بناء الوطن في عصر الإصلاح.

 

أما عن الضلع الثالث لمثلث الموت، فهو الأشد خطرا والأكثر عجبا! أن يلجأ إلى إطفاء النار بصب المزيد من الزيت! أي أن يرفع شعار محاربة الطائفية بالارتماء في أحضان المشروع الطائفي! لقد وصل اليسار إلى قمة المأزق، وغاص إلى أعماق الرمال المتحركة عند ما سمح لنفسه بان "يستجدي" مقعدين أو ثلاثة من جمعية هي من وجهة نظره (اليسار) جمعية تحمل فكرا رجعيا ينادي بالرجوع إلى عصور الظلام! متجاهلا حقيقة أن هذه الجمعية تحمل أجندة خاصة بها، وأن هذا "الزواج المؤقت" ما هو إلا وسيلة لتحقيق أهداف "المؤمنين" فقط!