المدرسة الإخوانية والجهاد في سبيل الله
تاريخ النشر: 19 أغسطس 2012م
من منجزات مدرسة الإخوان المسلمين أنها عملت على إحياء مفهوم الجهاد الإسلامي من حيث سعته وشموليته، حيث أن الجهاد: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وبالطبع جهاد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، وهو موضوعنا في هذه السطور.
لقد تم تشويه صورة هذا المبدأ الإسلامي الأصيل -للأسف الشديد- خلال العقود الأخيرة، وتم الخلط بينه وبين العنف والإرهاب!
وقد ساهم في هذا التشويه أعداء الإسلام من القوى الصليبية والصهيونية وأتباع المستشرقين، مثلما ساهم فيه بعض القوى المحسوبة على المسلمين، حينما أقدموا على الجهاد -بزعمهم- بغير وعي ولا فقه، فكانوا وبالا على الإسلام والمسلمين، في حين يوجد في تاريخنا الإسلامي المعاصر نماذج مشرقة للجهاد في سبيل الله، منها جهاد الشيخ عمر المختار رحمه الله وصحبه في ليبيا، وجهاد الشيخ عز الدين القسام رحمه الله وصحبه في فلسطين، وجهاد الإخوان المسلمين في فلسطين.
يقول تعالى: {فـَليُقاتِل في سبيلِ اللهِ الذينَ يشرُون الحياةَ الدنيا
بالآخرةِ ومَن يُقاتل في سبيلِ اللهِ فيُقتَل أو يَغلبْ فسوفَ نؤتيهِ أجراً
عظيما}.
(سورة النساء، آية 74)
ويقول سبحانه: {وأعِدّوا لهم ما استطعتم مِن قوةٍ ومِن رباطِ الخيلِ تُرهبونَ بهِ عدوَّ اللهِ وعدوّكم}.
(سورة الأنفال، آية 65)
ويقول تعالى: {إنَّ اللهَ اشترى مِن المؤمنينَ أنفسَهُم وأموالهُم بأنّ لهُمُ
الجنةَ يُقاتِلونَ في سبيلِ اللهِ فيَقتُلونَ ويُقتلون وعداً عليهِ حقاَ في
التوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ ومَنْ أوفى بعهدِهِ مِنَ اللهِ فاستبشِروا
ببَيْعِكمُ الذي بايعتُم بهِ وذلكَ هوَ الفوزُ العظيم}.
(سورة التوبة، آية 111)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي
بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم
أقتل".
(رواه البخاري ومسلم)
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من جهز غازيا في سبيل الله تعالى فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير
فقد غزا".
(رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله
تعالى".
(رواه الترمذي)
واهتماما منه بأهمية الجهاد، كتب الإمام حسن البنا رحمه الله رسالته المشهورة (رسالة الجهاد)، في عام 1947م على الأرجح. يقول البنا في هذه الرسالة: "لست تجد نظاما قديما أو حديثا دينيا أو مدنيا، عنى بشأن الجهاد والجندية واستنفار الأمة وحشدها كلها صفا واحدا للدفاع بكل قواها عن الحق، كما تجد ذلك في دين الإسلام وتعاليمه. وآيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم فياضة بكل هذه المعاني السامية".
ويقول: "فرض الله الجهاد على المسلمين لا أداة للعدوان ولا وسيلة للمطامع الشخصية، ولكن حماية للدعوة وضمانا للسلم، وأداة للرسالة الكبرى التي حمل عبئها المسلمون، رسالة هداية الناس إلى الحق والعدل".
ويصف القتال عند المسلمين فيقول رحمه الله: "فهم حينما يقاتلون: لا يعتدون ولا يفجرون ولا يمثلون ولا يسرقون ولا ينتهبون الأموال، ولا ينتهكون الحرمات، ولا يتقدمون بالأذى، فهم في حربهم خير محاربين، كما أنهم في سلمهم أفضل مسالمين".
أمثلة عملية
وازنت المدرسة الإخوانية، في مجال الجهاد في سبيل الله، بين الفهم الدقيق والعمل الصحيح، وبين الفقه الواعي، والتطبيق الشافي. كما أنها لم تكتفي بالتنظير الصحيح لمسالة الجهاد ثم تركت التنفيذ لغيرها! بل قامت بجهاد مشرّف يسطره التاريخ بمداد من نور، وهذه بعض الأمثلة والشواهد:
1) جهاد الإخوان في فلسطين عام 1948م:
شارك متطوعو الإخوان في العمل الفدائي الجهادي منذ اللحظات الأولى لإعلان الحرب، بل من قبل ذلك بسنوات، حيث عملوا على جمع السلاح للفلسطينيين منذ عام 1936م.
وقد ارتوت أرض فلسطين الطاهرة بدماء مجاهدي الإخوان. ومن المعارك البطولية التي
خاضوها:
• معركة (كفار ديروم) في 14 أبريل..
• ومعركة (رامات راحيل) يوم 26 مايو، وانتهت المعركة باحتلال هذه المستوطنة
الصهيونية، وسقط من الإخوان تسعة من الشهداء والجرحى، وكان الجيش العربي
الأردني قد فشل سابقا في احتلال هذا الموقع..
• معركة (العسلوج)، حيث قامت قوة صغيرة من الإخوان، بقيادة البطل يحيى عبد
الحليم بتحرير هذه القرية من اليهود..
• معركة (تبة اليمن)، حيث قام الصهاينة باحتلال هذا المرتفع الاستراتيجي يوم 19
أكتوبر، ورأت قيادة الجيش المصري ضرورة استعادتها، فكلفت قوات المجاهدين
الإخوان بذلك، فقام المجاهدون بالمهمة خير قيام..
• معركة (التبة 86)، وهذه التبة (المرتفع) كانت تتمتع بموقع استراتيجي هام، وقد
استولى عليها اليهود في 23 ديسمبر، ثم تمكن الإخوان من استردادها بعد معركة
بطولية.
مدرعة صهيونية استولى عليها مجاهدي الإخوان المسلمين بعد معارك عام 1948م
حرس شرف الإخوان في غزة
مجاهد من الإخوان يقوم بالحراسة
2) الجهاد ضد الانجليز في منطقة القناة:
قام الإخوان بالعبء الأكبر في عمليات المقاومة ضد المستعمر الإنجليزي في منطقة قناة السويس أوائل الخمسينيات.
ومن أهم المعارك التي خاضها الإخوان معركة (التل الكبير) يوم 13 يناير 1952م.
3) جهاد حركة حماس في فلسطين:
للإخوان في فلسطين تاريخ حافل بالجهاد والكفاح، بدأ منذ ثلاثينيات القرن الميلادي العشرين، وما يزال مستمرا إلى اليوم من خلال حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي أصبحت تشكل رأس الحربة -بلا منازع- في المشروع العربي الإسلامي ضد الكيان الصهيوني الغاصب.
وقد قدمت الحركة الكثير من الشهداء في سبيل الله، ونصرة للمقدسات الإسلامية، على رأسهم قادة الحركة الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وسعيد صيام وغيرهم كثير.
حركة المقاومة الإسلامية (حماس)
4) جهاد الشيخ عبد الله عزام:
قام الشهيد عبد الله عزام بدور رئيس في دعم وتوجيه المجاهدين الأفغان ضد قوات الاحتلال السوفييتية، وذلك من خلال تأسيس (مكتب خدمات المجاهدين) في بيشاور عام 1983م.
وظل رحمه الله يقدم كل أسباب الدعم والمساعدة الممكنة لإخوانه المجاهدين، حتى استشهاده يوم 24 نوفمبر 1989م.
ولم يتورط أبدا في أي قتال داخلي بين فصائل المجاهدين، ولم يشارك في أي عمل قتالي مباشر أو غير مباشر إلا ضد المحتل الشيوعي وعملائه.
5) جهاد الإخوان في العراق ضد الاحتلال الأمريكي:
شارك إخوان العراق في مقاومة الاحتلال الهمجي الأمريكي للعراق من خلال الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع)، وذراعها العسكري (كتائب صلاح الدين الأيوبي)، والتي أعلنت عن نفسها في بيان صدر يوم 28 مايو 2004م.
وفي بيانها رقم (144) والذي صدر أواخر عام 2011م، أعلنت الكتائب عن (15) عملية عسكرية ضد قوات الاحتلال الأمريكي، المتواجدة في بعض القواعد الجوية، أو أرتال عسكرية أمريكية في بغداد والمناطق المحيطة بها.
ولم تتورط كتائب صلاح الدين في أي عمليات عسكرية ضد المدنيين الأبرياء، وحافظت -كعادة الإخوان- على المبادئ السامية للجهاد الإسلامي العظيم.
الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع)