الوطن والوطنية في فكر الإخوان المسلمين

تاريخ النشر: 28 مايو 2011م

 

حب الأوطان فطرة أصيلة في النفوس، والمسلم الحقيقي لا يكون إلا مخلصا وفيا لوطنه، مستعدا للتضحية في سبيله.

وحين هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة دعا ربه فقال: "اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت مكة أو أشدّ". (متفق عليه)

وكان عليه الصلاة والسلام قد خاطب موطنه مكة عند هجرته منها قائلا: "والله إنك لأحبّ بلاد الله إلى الله، وأحبّ بلاد الله إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت". (رواه الترمذي)

 

وللوطنية وحب الوطن مكان مرموق وحيز ظاهر في أفكار وِأدبيات الإخوان المسلمين منذ البدايات الأولى لنشأتهم..

 

يقول الإمام الشهيد حسن البنا (1906-1949م) رحمه الله في رسالته (دعوتنا) موضحا موقف الإخوان من فكرة الوطنية:
"إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها، فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى.. ولقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف مكة من (أصيل) فجرى دمعه حنينا إليها وقال: يا أصيل، دع القلوب تقرّ.
وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه فنحن معهم في ذلك أيضا.. وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم فذلك نوافقهم عليه أيضا
".

 

ثم يوضح البنا رحمه الله أن هذا الانتماء الصادق للوطن لا يتناقض مع الانتماء للوطن الأكبر، وهو العالم الإسلامي المترامي الأطراف، فيقول: "فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وطن عندنا، له حرمته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد في سبيل خيره".

 

ويقول الأستاذ مصطفى الطحان في كتابه (تحديات سياسية تواجه الحركة الإسلامية): "لا نعتقد أن عالمية الإسلام تصادم وتحظر المشاعر الوطنية ما دامت لا تتجاوز الحدود إلى الاستعلاء الأرضي أو العرقي - أي الفاشية".

 

ويقول الأستاذ عثمان رسلان في كتابه (التربية السياسية عند جماعة الإخوان المسلمين): "ومن ثم يمكن القول إن جماعة الإخوان بلورت جامعة وطنية تنطلق من الإسلام ذاته، تحقق الوحدة والتعاون، وتجعل لغير المسلمين كل حقوق المواطن وواجباته".

 

وأما شبهة أن (لا أهمية للأرض في نظر الإسلام)!! فيرد عليها الإمام الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه (الوطن والمواطنة في ضوء الأصول العقدية والمقاصد الشرعية)، والقرضاوي هو التلميذ النجيب للإمام البنا، والقطب الأبرز اليوم لمدرسة الإخوان المسلمين.

يقول حفظه الله: "هذا التصور غير صحيح بالنسبة للإسلام، الذي يمزج الروح بالمادة، ويعتبر الإنسان مخلوقا مزدوج الطبيعة: فهو قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله، كما حدثنا القرآن عن خلق الإنسان الأول آدم عليه السلام: {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ۞ فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}. (ص: 71/72)
وقد أهبط الله آدم إلى الأرض وسخرها له ولذريته، وجعلها له مهادا وفراشا وبساطا، وقال: {
ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}. (سورة الأعراف، آية 24)
وإذا كان هذا شأن الأرض بصفة عامة، فإن الأرض التي يعيش فيها الإنسان ويكون فيها مولده ونشأته وتعليمه وعلاقاته وصداقاته يكون لها شأن خاص
".

 

ثم يقول: "وهذه الأرض أو هذه البلدة، لها حقوق على أهلها: أن يتعاونوا فيما بينهم على الخير، وأن يتكافلوا في السراء والضراء، وأن يتناصروا إذا دهمهم عدوّ، يريد أن يحتل أرضهم، ويفرض سلطانه عليهم بغير إرادتهم".