سوسن والإخوان
تاريخ النشر: 10 فبراير 2011م
قالوا عن الصحافة: أن لها حقوقا، وعليها واجبات! فمن حقوق الصحافة أن يتوفر لها حرية حقيقية تجعلها مسئولة أمام الدين والعقل والمنطق والقانون والرأي العام والمصلحة العامة. ومن واجباتها أن تلتزم بمجموعة من المواثيق الأخلاقية التي تستهدف إقامة توازن بين حرية الفرد ومصالح المجتمع.
أما الكهانة فقالوا عنها: الإخبار عن الكائنات في المستقبل اعتمادا على النظر في النجوم، كالإخبار عما سيحدث في الشهر الفلاني في اليوم الفلاني؟ ماذا ستلد المرأة الفلانية؟ ولد أم بنت!!.. وقيل: هو الإخبار عما في الضمير! أن تضمر شيئا فتقول: ما أضمرت؟ فيقول:أضمرت كذا وكذا!!
من هنا، علمنا أن هناك فرق شاسع بين الصحافة، التي من سماتها الصدق والنزاهة والإنصاف، والكهانة التي من سماتها التلبيس على الناس وإغراقهم في أجواء من الخيال والأوهام!
تذكرت كل هذا -والله غصبا عني- وأنا أقرأ مقال الأخت سوسن الشاعر بعنوان (الإخوان المسلمون) بتاريخ (6 فبراير 2011م)، والذي هو ضمن مجموعة من المقالات التي تنتقد فيها الكاتبة الحركات الإسلامية عموما، والإخوان خصوصا، نقدا ظالما تخلط فيه الحق بالباطل، والغث بالسمين، والشوك بالياسمين!
قالت الكاتبة: "أن كون الإخوان غالبية مجرد أسطورة.. وأن كل أطياف الشعب المصري متخوفة من الإخوان.. وأن الجماعة خلقت من نفسها بعبعا.. وأن الإخوان سيحتكرون فهم الإسلام لأنفسهم فقط إذا وصلوا للحكم.. وأن الإخوان سيتخذون من الديمقراطية مطية للوصول إلى للحكم، واضعة الإخوان والأحزاب الشيعية (الولائية) في قلب واحد.. وأن الإخوان قد أقاموا تحالفا بينهم وبين قناة الجزيرة وأمريكا وإسرائيل.. وأنهم مستعدون للتعاون حتى مع الشيطان.. وأنهم استغلوا الحدث المصري للقفز عليه بلا خجل.. وأن على إخوان الخليج أن يعيدوا تربية أنفسهم مرة أخرى.."!!
ولكن ما أذهلني ولفت نظري، وقبل أن نناقش هذه التهم، هو هذا التجاهل الفاضح لانتفاضة الشعب المصري الشقيق.
إن هذا التحرك الشجاع الذي قام به أهلنا وإخواننا في مصر قد أثار إعجاب كل من يعيش في هذه المجموعة الشمسية إلا سوسن الشاعر!!
ولئن كان المقال يحمل عنوان (الإخوان المسلمون)، إلا أن الحدث المصري الراهن هو الملمح الرئيس في هذا المقال. يا ترى، من تريد أن ترضي كاتبتنا الكبيرة بهذا التجاهل الفض لحدث هو مثار إعجاب الخلق أجمعين؟؟
ولمصلحة من يا سوسن تحوير الحدث من انتفاضة شعبية وهبّة جماهيرية ضد الظلم والاستبداد والفساد.. إلى إثارة مواضيع هي أقرب إلى حكايات (ألف ليلة وليلة) و(نوادر جحا) بالكلام عن تحالفات وهمية وإشكالات لا توجد إلا في مخيّلة الكاتبة المحترمة خبيرة الأفلاك والنجوم؟!
هذه التهم هي التي جعلتني -غصبا عني- أقارن بين الصحافة والكهانة!! لنتخيل الأخت الكاتبة وهي تمثل دور المدعي العام أمام القاضي، وأخذت تسرد التهم الموجهة للمتهم (الإخوان) بصيغة المستقبل: "سيفعلون.. سيتخذون.. سيعني.. ستصبح"!! أقول للأخت الكاهنة، عفوا الكاتبة: ماذا سيكون موقف القاضي منك؟!
كذبّت الكاتبة ادعاء الإخوان -بزعمها- أنهم الأغلبية، وحاولت الاستعانة بلعبة الأرقام لإثبات دعواها. ولكن من قال أن الإخوان يقولون أنهم أغلبية؟!
أتحداك يا سوسن أن تأتيني بدليل واحد يفيد أن الإخوان يدعون أنهم يشكلون أغلبية الشعب المصري!
ولكن الإخوان يقولون بكل ثقة -وكل العالم معهم يقول- أنهم يشكلون أقوى وأهم وأقدم القوى الشعبية في مصر، وأنهم رأس الحربة في المعارضة المصرية. فلم الالتفات على الحقائق؟ ولم الاستعانة بعلم النجوم يا سوسن عل حساب الحقيقة والواقع!
قالت سوسن: "أن كل أطياف الشعب المصري متخوفة من الإخوان".. يا سلام! وهل هذا بناء على إحصائية رسمية أجريت بإشراف الكاتبة الكبيرة سوسن الشاعر، وعرفنا من خلالها موقف الشعب المصري من الإخوان؟
أم أنه الاستعانة بعلم النجوم مرة أخرى! هل يمكن الحكم من بضعة تصريحات في الفضائيات؟ وأي فضائية؟ إن كانت الجزيرة فأنت تشككين في مصداقيتها، وإن كانت قنوات أخرى فهي أيضا متهمة بالانتقائية كما نلاحظ ذلك جليا في بعض القنوات التي تساوي بين القاتل والقتيل!
لم كل هذا الاستخفاف بعقول الناس يا سوسن؟ لم حصل الإخوان على (88) مقعدا في انتخابات 2005م (بالرغم من التزوير الفاحش)؟ من الذي صوّت لهم؟ يأجوج ومأجوج أم قبائل الهوتو والتوتسي!!
يكفي الإخوان شرفا أن يبرر حسني مبارك للأمريكان سبب عدم تنحيه بالخوف من الإخوان. نعم، هؤلاء هم من يخاف من الإخوان وليس الشعب المصري الذي لم تمدحي انتفاضته العظيمة ولو بكلمة واحدة، ربما بانتظار أن توحي لك النجوم بشيء ما!
ثم أي عيب في أن يستفيد الإخوان من بعض وسائل الإعلام كقناة الجزيرة، في إيصال كلمتهم للناس في ظل الحصار الإعلامي المفروض عليهم من بعض القنوات الأخرى!
إن للجزيرة أهداف وخطط لا تخفى على اللبيب، ولكن ماذا عن بعض القنوات الأخرى التي تحولت إلى أسواط تلهب بها بعض الحكومات أظهر شعوبها ليل نهار؟ ألا تستحق كلمة نقد من الكاتبة الكبيرة؟
وأي تحالف هذا الذي تتكلمين عنه: الإخوان.. وأمريكا.. وإسرائيل؟؟!! يا الله.. هل هذا هو جزاء الذين جاهدوا في سبيل الله ضد الصهاينة على أرض فلسطين عام 1948م فحققوا ما عجزت أربعة جيوش عربية عن تحقيقه؟
أهذا جزاء من جاهد ضد الإنجليز في منطقة القنال عام 1951م؟ تحالف بين الإخوان وإسرائيل وأمريكا؟؟ أهذا هو مبلغ علمك في التاريخ، وهل هذه هي قدراتك الإستراتيجية الفذة في تحليل الأحداث! ونقول: "آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه"!
ولماذا هذه الربط التعسفي بين الإخوان وبين حزب الله وغيره من الأحزاب الشيعية، والكاتبة تدرك تماما اختلاف المنظومة الفقهية والسياسية لدى السنّة، والتي يندرج تحتها الإخوان، عن تلك الشيعية، والتي من مكوناتها عقيدة ولاية الفقيه؟ إنه أسلوب الدس الرخيص، ومنهج التحريض جهارا عيانا، من أجل تحقيق أهداف لا تعلمها إلا النجوم وسوسن!
وكيف تتهمين الإخوان بالقفز فوق الحدث وهم جزء أصيل من هذا الحدث؟
وكيف سيستغل الإخوان هذه الأحداث للوصول إلى الحكم وهم قد أعلنوها مدويّة أنهم لن يرشحوا أحدا لمنصب الرئاسة؟
وإذا كان الإخوان لا يتطلعون لمنصب الرئيس (رأس الدولة) للوصول للحكم فكيف سيصلون؟ ببيع الفول والطعمية أم بموسيقى حسب الله؟!
ونصحت سوسن الإخوان "أن يعيدوا تربية أنفسهم مرة أخرى"! هل هذا يليق يا سوسن! أهكذا تكلمين من هم من ضمن زبدة المجتمع، ومنهم العلماء والفضلاء وأهل التقى والصلاح والجهاد؟
أهكذا نكلم بعضنا، وأنت -حسب علمي- الأم الحنون والجدّة العطوف! اطمئني يا سوسن.. الإخوان متربين كويّس، وليسوا بحاجة إليك وإلى قلمك (النجومي) ليعيدوا تربية أنفسهم!
وختمت الكاتبة كلامها بوصف تصرفات الإخوان بأنها تثير الاشمئزاز!!.. ونقول:
فحسبكم هذا التفاوت بيننا..
وكل إناء بالذي فيه ينضح