العولمة وأخطارها على العالم الإسلامي

تاريخ النشر: 17 يوليو 2010م

 

ظهر النظام العالمي الجديد ذو القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في أواخر ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم، فأدى ذلك إلى انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على العالم، فانتقلنا من عصر الإجرام المزدوج في حق الشعوب إلى عصر الإجرام الأحادي!

وما هي إلا سنوات معدودات حتى ظهر على السطح مسمى "العولمة" كأحد إفرازات هذا النظام العالمي الجديد، وكمظهر رئيس يعكس مدى السيطرة الأمريكية على الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي في العالم.

 

والعولمة Globalization هي (اكتساب الشيء طابع العالمية)، كما يمكن تعريفها بأنها: (نظام عالمي يقوم على العقل الإلكتروني! والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود، دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيم والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم).

 

أما فيما يخص مدى الخطورة التي تمثلها هذه العولمة على ثوابتنا كمسلمين، فلعل التعريف التالي يكون أكثر وضوحا: (العولمة مصطلح يقصد به تفريغ الوطن من وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي، بحيث لا يبقى منه إلا ما يخدم القوى الكبرى، التي هي في هذه الحالة: أمريكـا)، وبتعبير آخر، وبحسب بعض المفكرين من الإسلاميين وغيرهم، فالعولمة ما هي إلا أمركة!

وما يراد بها في زمن الهيمنة الأمريكية إلا أن تكون عملية اختراق كبرى للإنسان وتفكيره، وللذهنيات وتراكيبها، وللمجتمعات وأنساقها، وللدول وكياناتها، وللجغرافيا ومجالاتها، وللاقتصاديات وحركاتها، وللثقافات وهوياتها.

 

إن العولمة كما يروج لها دعاتها لا تعدو أن تكون تعبيرا معاصرا عن نزعة تسلطية قديمة، صاحبت كل قوة غاشمة على مدار التاريخ، كما حدث في مصطلح (الاستعمار)، فهي لصالحهم على حسابنا نحن، وقوة لهم في مقابل ضعفنا نحن، وتوحيد لهم في مقابل تفتيتنا نحن! فالعولمة وسيلة من وسائل الغازي.

ويرى الإمام القرضاوي (أن مفهوم العولمة، يعني أمركة المعلومات نسبة إلى الولايات المتحدة لكي تستطيع أن تسيطر عليها).

 

وهذه صور من الخطر الذي تمثله العولمة على مبادئنا و قيمنا واستقلاليتنا..

 

في المجال السياسي: تعني العولمة إخضاع الجميع لسياسة القوة العظمى، والقطب الأوحد في العالم، وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

والعولمة السياسية لا تنسى أبدا أن تقوم بكل ما يخدم إسرائيل، في الوقت الذي تتغاضى فيه عن حقوق المسلمين في فلسطين والعراق والشيشان وكشمير وغيرها.

 

في المجال الاقتصادي: للعولمة وسائل وأدوات تستطيع التأثير والضغط بها لتنفيذ غاياتها في بلدان العالم، منها: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة الدولية وما تفرع عنها، وغيرها من مؤسسات الأمم المتحدة، والشركات الكبرى المتعددة الجنسيات وعابرة القارات والمحيطات.

وآفة اقتصاد العولمة أنه اقتصاد غير عادل، وغير أخلاقي، وأنه يقوم على استلاب جهود الضعفاء لمصلحة الأقوياء، سواء كانوا أفرادا أم شعوبا ودولا.

 

في المجال الثقافي: تريد العولمة أن تشيع فينا ثقافة الإباحية التي تحل ما حرم الله، وتبيح من المنكرات ما تنكره كل شرائع السماء، والمثل العليا في الأرض.

وتريد إشاعة ثقافة الجنس المفتح الأبواب، وثقافة الشذوذ، وثقافة (السلام) المزعوم الذي تمليه إسرائيل، وثقافة (التطبيع) الذي هو التركيع والتطويع الذي تريده الصهيونية، وثقافة الاستهلاك لما تنتجه الرأسمالية الغربية الأمريكية مما يؤكل ويشرب ويلبس.

 

في المجال الاجتماعي: تريد العولمة القضاء على الكيان الأسري المتماسك، الذي هو دعامة المجتمع، وتريد أن تشيع في العالم الانفلات من كل القيم والمثل العليا، تحت دعاوى محاربة الكبت وتحرير المرأة والحرية الشخصية!

 

يقول الشيخ حامد العلي: "إن الموقف المطلوب من المسلمين تجاه العولمة الثقافية والفكرية هو التفاعل الحضاري والتعامل الثقافي الحذر، القادر على التمييز بين النافع والضار، حفاظاً على عقيدة الأمة وهويتها من التضليل والعبث الفكري والثقافي".

 

ويقول شيخنا القرضاوي: "أن الإقبال على العولمة بسرعة متناهية يعني القبول بكل ما فيها من حسنات وسيئات.. وأن العالم الإسلامي بتهوره يستجيب للغرب في تحقيق رغباته، خاصة أن العولمة بمفهومها تعني سيطرة القوي على الضعيف".

ويقول: "إن غاية الخطاب الإسلامي الوصول إلى المثل العليا، ولكن ذلك لا يدعونا إلى أن نغمض أعيننا عن الواقع الذي نعيشه، كما يجب علينا أن نقف ضد الهيمنة الكاملة التي تستهدف تحطيم الهوية الذاتية والدينية والإرث الحضاري لتحل محلها مقومات أخرى تسهم في هدم الأسرة وتعديل مفهوم الحياة الزوجية والاختراق الثقافي لعالمنا العربي والإسلامي.. وأن روح التعاون هي أكثر ما يحتاجه العمل الإسلامي، والحقيقة أن الخطر القادم على الإسلام هو عولمة المعلومات، حيث يصور الاتصال الفضائي افتقار القيم لدى الغرب، وهو ما يسعى إليه الغربيون لتعميمه على جميع الدول".

 

وينبهنا الأستاذ محسن عبد الحميد إلى أهمية الفكر التربوي الإسلامي في مواجهة هذه العولمة، إذ أننا "أمام هجمة الفضائيات العولمية وتخطيطها العلمي والفني الذكي في عرض أفكارها بطرق متنوعة مؤثرة، عبر الأنماط الفنية من المسلسلات والأفلام والتعليقات والتقارير التي تدخل يوميًا مئات الملايين من أجهزة التلفزيون والإذاعة والإنترنت على وجه الأرض، لا يمكن الحفاظ على الذات والأصالة والخصوصية الدينية والفكرية، إلا بتربية أبناء الأمة تربية مخططة تشعرهم بأنهم أبناء أمة التوحيد والإيمان وتنشئتهم نشأة إسلامية، وتحصنهم فكريًا وأخلاقيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، بحيث يعلمون بيقين كامل أنهم متميزون عما يشاهدون. وبذلك يستطيعون أن يكتشفوا الباطل من الأقوال والأفعال والسلوك. وإن لم نفعل ذلك ونتعاون عليه في العالم الإسلامي كله، فسنجابه فتنة كبيرة وفسادًا عظيمًا وذوبانًا تدريجيًا مؤكدًا في طغيان إعلام العولـمة الرهيب".

 

هذه هي العولمة.. الوجه الأحدث والأقبح والأخطر للاستعمار.