أمريكا كلما كبر الحجم كلما قويت السقطة
تاريخ النشر: 4 فبراير 2010م
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، برز للوجود محور جديد للشر من جناحين: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. وظلت القوتان تهيمنان على مجريات الأحداث بتفاهم أحيانا، وبتنافس محموم وحروب عن طريق دول تابعة أحيانا أخرى، حتى السقوط الرسمي المدوي للاتحاد السوفييتي أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، لينتج عنه النظام العالمي الجديد، وبتعبير آخر، قوة الشر المتمكنة الوحيدة في العالم: الولايات المتحدة الأمريكية. فمتى يأتيها الدور لتلحق بالاتحاد السوفييتي؟
إن طرح مثل هذا السؤال لا يدخل في باب الكهانة والتنبؤات، بل هو ما تقتضيه السنن الربانية.
لقد تأسس الكيان الأمريكي منذ أول يوم على ظلم الآخرين، وما قصة الهنود الحمر عنا ببعيدة.
لقد قامت الحضارة الأمريكية على جماجم وأشلاء سكان البلاد الأصليين، الذين تعرضوا للإبادة الجماعية المنظمة على مدى أربعة قرون.
وأحيل القارئ الكريم إلى كتاب (أميركا والإبادات الجماعية) للأستاذ منير العكش ليرى هول ما اقترفته أيادي المستوطنين البيض الأوائل من إجرام وآثام بحق قبائل الهنود الحمر، بما في ذلك استخدام الحرب الجرثومية.
من صور الإبادة الجماعية في حق الهنود الحمر
يذكر المؤلف أن وليم برادفورد أحد زعماء المستوطنين الأوروبيين كان يرى أن نشر الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الله!! ويقول : "فمما يرضي الله ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود، وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت، هكذا يموت 950 من كل ألف منهم! وينتن بعضهم فوق الأرض دون أن يجد من يدفنه، إن على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا ونعمته!!".
تمثال يمجد وليم برادفورد أحد مجرمي الإبادة الجماعية في حق الهنود الحمر
هذا هو الظلم العظيم الذي قامت عليه أمريكا من أول يوم، وهو نفس الظلم الذي يسري في دمائها في تعاملها مع دول العالم اليوم، خاصة الدول الإسلامية منها، فأمريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح الذري الرهيب مرتين ضد اليابان في كل من هيروشيما وناجازاكي، واقترفت كل ألوان القتل والإجرام ضد الشعب الفيتنامي، وخططت ودبرت للعمليات العسكرية الانقلابية في العديد من الدول في العام الثالث، وهاهو مسلسل الظلم يتواصل من خلال أحداث فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان والسودان والصومال.
ولكن.. إن العقاب الإلهي لابد وآت، يقول تعالى: {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين}، ويقول سبحانه: {إنـّا مهلكوا أهل هذه القرية إنّ أهلها كانوا ظالمين}.
إن أمريكا تتصرف اليوم بجبروت وتألـّه لا مثيل له، فتخاطب الدول والحكومات بمنتهى الغرور والعنجهية: إما أن تكونوا معنا، أو تكونوا ضدنا، وتريد أن تكون كل الأجواء والأراضي والقواعد والوسائل تحت إمرتها دون نقاش، وكأنها تقول للجميع: نحن نعز من نشاء، ونذل من نشاء!! وأصبح حالها كحال النمرود عندما قال لإبراهيم عليه السلام: "أنا أحيي وأميت"!
ولكن أمريكا غافلة أن لله في الكون سنن جارية لا تتبدل ولا تتغير. يقول تعالى: {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}، ويقول عز وجل: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقّبوا في البلاد هل من محيص ۞ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.
إن أسباب سقوط الإمبراطورية الأمريكية تقوى يوما بعد يوم، والسؤال الذي يطرح ليس هو (كيف؟) بل (متى؟).
فبالإضافة إلى عامل الظلم الذي يودي بصاحبه إلى دار البوار، والتألــّه الذي يعتبر قمة الانحراف عن النهج البشري القويم، كما قال فرعون "أنا ربكم الأعلى"، بالإضافة إلى كل ذلك، فإن أسباب السقوط المرتقب موجودة ومتأصلة داخل الكيان الأمريكي، فأي مجتمع يمكنه أن يقاوم للأبد هذه الجروح القاتلة التي تتزايد كل يوم كالجريمة والتفرقة العنصرية والايدز والمخدرات والشذوذ الجنسي والترف القاتل؟
إن الشعب الأمريكي بسبب ما هو فيه من الترف والإسراف استشعر لنفسه التميز دون بقية شعوب الأرض، وهذا هو شأن المسرفين على مدى التاريخ كما قال تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون}.
فكما تصدى المترفون الأولون لأنبيائهم، فكذلك المترفون الأمريكان اليوم، يتصدون للإسلام الذي هو دين الحق إلى قيام الساعة.
كما أصبح تفشي الشذوذ إحدى النتائج الخطيرة للثورة الجنسية المضادة للفطرة السوية، وتشير التقارير إلى أن حوالي 10% من الأمريكيين رجالا ونساء في سن 16 سنة شاذون جنسيا، وتصل النسبة إلى حوالي 30% من إجمالي السكان البالغين.
وقد باركت العديد من الكنائس المسيحية الأمريكية الشذوذ الجنسي!! فهل هناك فسق أكبر من هذا، وهل يهلك إلا القوم الفاسقون؟
وفي دراسة عن التآكل الأمريكي من الداخل نشرتها مجلة (المجتمع، عدد 1486)،
نجد الحقائق المروعة التالية:
● في كل 17 دقيقة هناك محاولة انتحار يقوم بها أمريكي.
● يقتل في أمريكا يوميا 65 شخصا بسبب العنف وجرائمه.
● هناك حوالي مليون فتاة أمريكية من المراهقات والقاصرات يحملن في كل عام، منهن
حوالي 300 ألف ممن هن دون سن الخامسة عشرة، وأن 400 ألف منهن يقدمن على إجراء
عملية الإجهاض.
بالرغم من كونها من أغنى البلاد، فإن هناك ظاهرة بشعة أخرى تتعلق بالفقر والحرمان اللذان تعاني منهما شريحة كبيرة من الشعب الأمريكي، ويكفينا أن نعلم أنه من أصل كل أربعة أطفال يولدون في هذا البلد، هناك طفل واحد على الأقل من بينهم يولد في أجواء من الفقر والحرمان.
ومع ذلك فإن الحكومة الأمريكية تبذر المليارات في سبيل الحصول على التكنولوجيا العسكرية وأسلحة الدمار الشامل! والتدخل في الشئون الداخلية للدول والشعوب الأخرى، وشراء الذمم والأصوات والأقلام العميلة وزرع العملاء والموالين في كل مكان!
طوابير من المشردين والمعوزين في العديد من المدن الأمريكية يصطفون للحصول على وجبة اليوم
ملايين المشردين يفترشون الشوارع بلا مأوى على أطراف المناطق الغنية والمدن الحيوية في أمريكا
وهكذا فقد اجتمعت في هذه القوة الكبرى العديد من الأسباب التي تجعلها في موقع استحقاق العقوبة الربانية.
إن الله العزيز الحكيم، الذي أرانا في الاتحاد السوفييتي يوما أسودا، ليس بعزيز عليه أن يرينا في أمريكا يوما أشد سوادا.