ثم حلق ضميره

تاريخ النشر: 28 يناير 2009م

 

في زمن يسود فيه الزيف وتهيمن العقد النفسية والثارات الشخصية، ويقل فيه الإنصاف حتى ليكون أندر من طير العنقاء!

في مثل هذا الزمن تتعرض الحقائق للتزييف، والمعاني للتغيير والتبديل، ويسود القصاصون والحكواتية، ليقولوا أي شيء، ويكتبوا أي شيء بدون أي وازع من ضمير يردع، وعقل يربأ، ونفسية سوية تحجز صاحبها عن الظلم والعدوان!

 

أتحفنا (حالق لحيته) خلال الأسابيع الماضية بثمرة تجربته مع (الجماعات الإسلامية)، وأهدى القراء بعض النصائح الذهبية، ووجه نقدا لاذعا لهذه الجماعات، متهما إياها بأنها في خصام مع العصر! وأنها تأخذ دور الربّ في تصنيف الناس إلى مؤمنين وكفار! وأنها وضعت حواجز إسمنتية بينها وبين فئات المجتمع! وأنها تعاني من الخوف من الذوبان في المجتمع!

 

مبدئيا، هذه (الجماعات الإسلامية) بشر ممن خلق الله سبحانه وتعالى! تتعرض للخطأ والزلل من حين لآخر.. ومبدئيا، لا أحد فوق النقد، إسلاميا كان أم علمانيا أم صاحب أي توجه ومنهج.

ولكن المشكلة الكبرى تبقى في تلك المنهجية الخطرة المستخدمة من قبل البعض في نقد الآخرين، وهي منهجية (التغييب المتعمد) للإيجابيات، و(الإعدام المتعمد للفضائل).. وبأسلوب يخلوا تماما من الإنصاف والعدل، وبرغبة عارمة في التقليل من شأن الآخر، بدعوى النقد والتقويم، وبالتالي.. تخيلوا الحال التي سيظهر بها تلك الجهة المعرضة للنقد!

فصفة الإنصاف هي التي تعين الناقد في الحكم على الآخرين بما يعطي ضوءا كاشفا يعين هذا الناقد على اجتياز تلك (المنطقة الخطرة) في عالم النقد والتحليل، وهي المنطقة المحشورة بين (سلبية الانتقادات.. وانتقاد السلبيات)!!

ولننظر الآن إلى هذه الجماعات الإسلامية لنقارن بين واقعها وبين اتهامات الأخ (حالق لحيته)!

 

كيف يمكن لمنصف أن يتهم الجماعات الإسلامية بالعزلة ووضع حواجز إسمنتية بينها وبين المجتمع في وقت أصبحنا نملك فيه أدلة ملموسة وشواهد على أرض الواقع وأرقام ونتائج، هي حصيلة الانتخابات التي شهدتها البحرين في عام 2002م ثم في عام 2006م، وهي الانتخابات التي أثبتت بشكل قاطع، أن الذي يتواصل مع الناس، ويذوب ذوبانا في مجتمعه، ويشعر بآلام الشعب وآماله ليس اليسار القابع في أبراجه العاجية، ولا الليبرالية الحائرة، بل هم تحديدا هذه (الجماعات الإسلامية).

 

أين كان ضمير (حالق لحيته) وهو يتجاهل هذه الحقيقة الناصعة ويتجاهل ذلك التجاوب الرائع من الجماهير مع (الجماعات الإسلامية)؟

فعن أي جدار إسمنتي يتحدث، وأي جدار برلين يريد؟

وكيف يصف هذه الجماعات بالخوف من الذوبان وهي التي ذابت في مجتمعها كما يذوب الملح في الماء، تخدم وتتواصل وتنجز وتبني، ولا يضرها أن تخطأ أحيانا، أو أن تسيء الاختيار أحيانا أخرى!

 

أليست هذه الجماعات هي التي تربي شباب هذا الوطن الغالي على حب الدين والوطن، وتقيم الأنشطة والفعاليات، صيفا وشتاء لرعاية هذا الشباب الذي هو كنز الوطن ومستقبله؟

أليست هذه الجماعات هي التي تقدم العون والمساعدة لأصحاب الحاجة في المجتمع؟

ثم من الذي يبني المساجد العامرة بذكر الله، ومن يقوم بتحفيظ كتاب الله تعالى، ومن الذي أنشأ المؤسسات التي تهتم بالناشئة من الجنسين؟ ومن.. ومن؟

 

أبعد كل هذا تقول: "جدار إسمنتي"؟
و"خوف من الذوبان"؟
أي خوف يا مسكين!

 

ولكن لا بأس.. فهذا ديدن الصالحين: أن يصيبهم الظلم من الأعداء الذين لا يعرفون قيمة الوفاء أصلا، ومن "حالقي اللحى" الذين أضاعوا بوصلة الوفاء!

وعلى كل حال، (القافلة تسير.. وليحلق من شاء، ما شاء)!