المحرق وعمر بن الخطاب والصفويون الجدد

تاريخ النشر: 22 مارس 2008م

 

الوحدة الوطنية قضية مصيرية، ومسألة محورية تتبعها وتتعلق بها العديد من القضايا الرئيسة الأخرى، وهي الشغل الشاغل للعديد من الفعاليات والتجمعات الأهلية والشخصيات البارزة في المجالات السياسية والفكرية والاجتماعية، فالكل يتكلم عن هذه القضية، والكل يكتب فيها، والكل يحاضر عن ضرورتها وأهميتها.

ولكن هناك ملاحظة مهمة تتعلق بهذا الشأن لابد وأن تقال، وتتعلق بمدى الإخلاص بمسألة الوحدة الوطنية. فالإخلاص للقضية، والجدية في العمل، والرغبة الصادقة المنبعثة من قلب صادق يستشعر المسئولية، وموافقة القول العمل، والنفسية السوية، هي أهم الخصائص التي يجب أن يتميز بها من ينادي بالوحدة الوطنية والإسلامية. فلا مكان بالتالي لطلاب المصالح الشخصية و المكاسب السياسية، أو طلاب "الزعامة المذهبية" ولو على حساب الوطن!

إن مثل هذه القضية الخطيرة يجب أن يتصدى لها من يخلص في سبيلها حقا، ومن يقدم مصلحة الإسلام والوطن على كل ما عداهما. فإذا افتقد الإخلاص فلا فائدة للكلمات المجردة، ولو بلغت في تعدادها الملايين من الكلمات الرنانة والمنمقة!

 

نسوق هذه المقدمة بعد الخبر المؤلم الذي كشفت عنه (الوطن) يوم الجمعة 14 من شهر مارس الجاري، وفحواه أن البعض قد أقام -وللسنة الثانية على التوالي- ما أسموه بذكرى "تسقيط الزهراء" في مدينة المحرق!

إن هذا الخبر يشكل صدمة لكل مواطن مخلص، ويوتر الأجواء، ويسلط الضوء على مدى جدية وإخلاص بعض المتشدقين الذين لا تفوتهم شاردة ولا واردة إلا وفتحوا أفواههم، الأوسع من أفواه التماسيح! ولعلعت ألسنتهم، الأطول من لسان الحرباء! في تعليمنا أصول الوحدة الوطنية والأخوة الإسلامية.

 

إلى متى ستظل الأساطير تهيمن على ثقافتنا وتحرف ديننا على هذا الشكل؟

وإلى متى سيظل أناس ينفخون في الرماد ليعموا الأبصار والقلوب؟

وإلى متى سيظل بعض المتمسكين بالزعامات يملئون بطاريات الحقد الديني الرهيب الذي لو مزجت قطرة منه بالمحيط الهادي لمزجته؟

أهكذا نتعامل مع سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيره؟

وهل هكذا نعبر عن حبنا لبنت رسول الله سيدة نساء العالمين وسائر أهل البيت رضي الله عنهم: بتحريف التاريخ وتشويه الدين وزرع الأحقاد وبذر الفتن ما ظهر منها وما بطن؟

وأين؟ في المحرق؟ مدينة الانسجام والوئام وقلعة الوحدة الوطنية ورمزها!

ألهذه الدرجة تمكنت الشعوبية البغيضة والصفوية الحاقدة من بعض أبناء هذا الوطن، فرضوا لأنفسهم أن ينحدروا إلى هذا الدرك من الفتنة؟

وإلى متى يستمر هذا الموقف الغريب المتناقض مع كل عقل ونقل حيال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة الخليفة الراشد الثاني، الذي أطفأ الله على يديه نار المجوسية، وأزال ملك الأكاسرة ليسيح الإسلام العظيم في تلك الربوع ولينعم أهلها بعدالة الإسلام بعد جور الأديان!

 

يقول أمير المؤمنين وأسد الله ورسوله، علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فما أرى أحدا يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، وقد باتوا سجدا وقياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب، ورجاء للثواب". (نهج البلاغة، ص 143 بتحقيق د. صبحي الصالح)

 

ويعبّر ابن عم رسول الله وزوج ابنته، يعبّر عن عميق حبه لصاحبه عمر بن الخطاب فيخاطبه ناصحا: "إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم. ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلا محربا، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى، كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين". (المصدر السابق ص 193)

 

ويؤكد على مكانة الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومدى التزامه بنهجهم في الرسالة التي بعث بها إلى معاوية، يقول: "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولـّى". (المصدر السابق ص 366)

 

هذا هو موقف الإمام عليّ من عمر وسائر الصحابة، ولا عجب في ذلك، فعليّا -لا شك- كان يسمع مع سائر الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب عمر قائلا: "والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك". (البخاري ومسلم)

 

ويقول عليه الصلاة والسلام: "بينا أنا نائم، رأيت الناس يعرضون وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومرّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: ماذا أوّلت ذلك يا رسول الله ؟ قال: الدّين". (رواه مسلم)

 

هذا هو عبقري الإسلام عمر بن الخطاب، وهذا هو موقف الرسول والآل والصحب منه.

 

ثم نقول: ما هذه الإساءة التي تلحق بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه نتيجة للاعتقاد بمثل هذه الأساطير والخزعبلات!

أهكذا يفعل ببنت رسول الله وعليّ حاضر!!

أهكذا يساء إلى سيدة نساء العالمين وعليّ ساكت!!

ألا تحمل مثل هذه الخرافات اتهاما واضحا لسيدنا عليّ بالجبن الفاضح والعجز الواضح؟؟

نستغفر الله من كل ذنب عظيم.

 

من الواضح أن بعض أتباع الصفوية الجديدة البغيضة يريدون أن يستغلوا نهج الإصلاح لمآرب أخرى!

ويريدون أن يجيّروا مفهوم الحرية لأهداف وأجندة خفية..

فالله الله في هذا الوطن الصغير في جغرافيته وحجمه، الكبير في تاريخه وفضله..

وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.