الإسلاميون وموقفهم من الديمقراطية
تاريخ النشر: 15 مارس 2008م
أصبحت الديمقراطية، وحقيقة موقف الإسلاميين منها، من أكثر الأمور جدلا على الساحتين السياسية والفكرية، وقد توزعت الآراء وتنوعت الاجتهادات في هذه المسألة، وبرز للإسلاميين موقفان متناقضان، الأول: الرفض المطلق للديمقراطية، والثاني: القبول بها داخل إطار إسلامي.
الموقف الأول
الرفض
يعتبر أصحاب هذا الرأي الديمقراطية بضاعة مستوردة من ديار الكفر، وعملة غربية لا تصلح لحياة المسلمين، وأن أهم ما تحتوي عليه من عناصر، وأفضل ما تتميز به من صفات، يشتمل عليه الإسلام أصلا، وأنها ما هي إلاّ وسيلة لحرب الإسلام والمسلمين.
يقول الدكتور عدنان علي رضا النحوي في كتابه (الشورى لا الديمقراطية): "كانت الديمقراطية أداة لمحاولة إزاحة قوة الإسلام من المجتمع، من الصدور، من العقول، من القلوب. كانت الوسيلة المستخدمة لرفع الحجاب عن المرأة، وإقرار الاختلاط، والتمكين للعلمانية، ودخول المبادئ الهدامة إلى العالم الإسلامي"..
ويعتبر النحوي "أن الديمقراطية حملت ثلاث قضايا إلى دار الإسلام، وكانت منطلقا لكل الانحرافات الأخرى: الحكم للشعب كقانون عام مطلق، لا سلطة لشيء فوقه أبدا، وفرض رأي الأكثرية دون أي ضوابط حتى أصبحت الأكثرية تشرع وتحلل وتحرم على غير ما أنزل الله، ونشر اللادينية أي العلمانية".
ويقول الدكتور محمود الخالدي في كتابه (الديمقراطية الغربية في ضوء الشريعة الإسلامية): "إن الوصف الصحيح للنظام الديمقراطي، هو ذلك النظام الذي يعتبر فصل الدين عن الحياة هو القاعدة الفكرية التي يبني مفهومه الذي يتمثل في الإصرار على أن السيادة للشعب. وأن الحاكم الذي له حق إصدار الأحكام على أفعال الإنسان إنما هو العقل وحده، إذ لا علاقة للخالق بذلك، فما لقيصر لقيصر، وما لله لله.. فالحاكمية والسيادة وإصدار الأحكام إنما هي للعقل لا للشرع. فالإنسان هو الحاكم، والإنسان هو المشرع، والإنسان هو صاحب السيادة ممثلا في رأي الأغلبية".
أما الأستاذ عبد الغني الرحّال، السلفي الاتجاه، فله مؤلف كبير في نقد
الديمقراطية، يقع في أكثر من 500 صفحة، بعنوان (الإسلاميون وسراب الديمقراطية)،
وينتهي فيه إلى النتائج التالية:
• الديمقراطية منهج غربي يخدم في الحقيقة طبقة معينة
• أن المجالس النيابية في العالم الإسلامي لا ترجع في تشريعاتها إلى الكتاب
والسنّة
• وأنه من البدعة مشاركة الإسلاميين في هذه المجالس
الموقف الثاني
القبول داخل الإطار الإسلامي
وأصحاب هذا الرأي يشكلون أغلبية الإسلاميين اليوم، وهم قد اعتبروا هذا الأمر من مسائل السياسة الشرعية التي تعتمد الموازنة بين المصالح والمفاسد، وأن ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب، وأن الديمقراطية أضحت وسيلة لتحقيق الرقابة على السلطة وصيانة الحقوق والحريات العامة، كما أنها الطريق إلى الاستقرار السياسي ومنع حركات التمرد والخروج المسلح، بالإضافة إلى بشاعة البديل وهو الاستبداد بالسلطة وما ترتب على ذلك عبر التاريخ من مآس وأخطاء.
ويؤكد أتباع هذا الرأي على أن المسألة ليست في تشبيه ومقارنة الإسلام بالديمقراطية، فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
يقول الأستاذ فهمي هويدي ، وهو من الداعين بقوة إلى هذا الرأي، في كتابه (للإسلام والديمقراطية): "يظلم الإسلام مرتين، مرة عندما يقارن بالديمقراطية، ومرة عندما يقال إنه ضد الديمقراطية".
الأستاذ فهمي هويدي
كما ناقش الشيخ محمد الغزالي هذه المسألة في كتابه (دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين). يقول رحمه الله: "الديمقراطية ليست دينا يوضع في صف الإسلام، وإنما هي تنظيم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، ننظر إليه لنطالع كيف توفرت الكرامة الفردية للمؤيد والمعارض على السواء، وكيف شيدت أسوار قانونية لمنع الفرد أن يطغى، ولتشجيع المخالف أن يقول بملء فمه: لا، إن الاستبداد كان الغول الذي أكل ديننا ودنيانا، فهل يحرم على ناشدي الخير للمسلمين أن يقتبسوا بعض الإجراءات التي فعلتها الأمم الأخرى لمّا بليت بمثل ما ابتلينا به".
الشيخ محمد الغزالي
أما الأستاذ الدكتور توفيق الواعي، في معرض تأكيده على الإطار الإسلامي،
فنراه يقول في كتابه (الفكر السياسي المعاصر عند الإخوان المسلمين):
"بأسلمة الديمقراطية يمكن تجنب هذه السوآت، وذلك بالتزام مبادئ الإسلام في
الشورى، وأهمها:
• تقرير مسئولية كل فرد أمام الله والأمة
• التخلق بخلق الإسلام في الشورى
• لا اعتبار للأغلبية عند وجود نص شرعي
• الالتزام بأحكام الإسلام فيما يتعلق بشروط الولاية والمسئولية".
الدكتور توفيق الواعي
ونستشهد بسطور من الفتوى المشهورة للإمام الدكتور يوسف القرضاوي حول
الديمقراطية، والتي ذكرها في المجلد الثاني من (فتاوى معاصرة)، ونقلها في كتابه
(من فقه الدولة في الإسلام)، يقول:
"إن الإسلام قد سبق الديمقراطية بتقرير القواعد التي يقوم عليها جوهرها، ولكنه
ترك التفصيلات لاجتهاد المسلمين، وفق أصول دينهم، ومصالح دنياهم، وتطور حياتهم
بحسب الزمان والمكان، وتجدد أحوال المسلمين. وميزة الديمقراطية أنها اهتدت خلال
كفاحها الطويل مع الظلمة والمستبدين من الأباطرة والملوك والأمراء إلى صيغ
ووسائل، تعتبر إلى اليوم أمثل الضمانات لحماية الشعوب من تسلط المتجبرين. ولا
حجر على البشرية وعلى مفكريها وقادتها، أن تفكر في صيغ وأساليب أخرى لعلها
تهتدي إلى ما هو أوفى وأمثل، ولكن إلى أن يتيسر ذلك ويتحقق في واقع الناس، نرى
لزاما علينا أن نقتبس من أساليب الديمقراطية ما لا بد منه لتحقيق العدل والشورى
واحترام حقوق الإنسان".
ويؤكد القرضاوي فيما يتعلق بموقف الإسلام من الديمقراطية، على أن نأخذ منها أساليبها وآلياتها وضماناتها التي تلائمنا، ولنا حق التحوير والتعديل فيها، ولا نأخذ فلسفتها التي يمكن أن تحلل الحرام، أو تحرم الحلال، أو تسقط الفرائض.
ولتأكيد التزام الإسلاميين بهذه الديمقراطية، من خلال المشاركة السياسية السلمية، ولتأكيد أنهم قد أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الحياة البرلمانية في أقطار عدة، نجول هذه الجولة السريعة:
■ في مصر يشارك (الإخوان المسلمون) في الحياة النيابية منذ أن خاض الإمام حسن البنا الانتخابات في الأربعينيات وإلى اليوم. ففي انتخابات مجلس الشعب لعام 1984 فازوا بتسعة مقاعد متحالفين مع حزب الوفد. وفي عام 1987، وبالرغم من عمليات التزوير فازوا بـ 36 مقعد قوائم و خمسة مقاعد فردية متحالفين مع حزب الشعب. ولديهم اليوم 88 نائبا في المجلس. ويتواجد الإسلاميون كذلك في المجالس النيابية في السودان والجزائر والمغرب واليمن والأردن.
■ أما في الكويت، فيعتبر الإسلاميون من أكثر النواب نشاطا، سواء في ذلك النواب من الإخوان أو السلف، مع ملاحظة أن السلفيين في الكويت يشكلون ظاهرة نادرة باعتبار أن عموم أصحاب هذا الاتجاه لا يشاركون في العملية الديمقراطية في بلدانهم، وقد اقتدى بهم سلفيو البحرين في انتخابات 2002م.
■ أما في خارج إطار العالم العربي فها نحن نرى التيار الإسلامي يثبت وجوده من خلال حزب السعادة ، وحزب العدالة والتنمية الأكثر شعبية في تركيا، والحزب الإسلامي في ماليزيا، الذي يشكل حكومات محلية في بعض ولايات الاتحاد الماليزي.
ومن الجدير بالذكر، أن العناصر الإسلامية في برلمانات هذه الدول، يعدون أكثر النواب نشاطا وتمثيلا صادقا لناخبيهم.
يقول الدكتور فتحي يكن في كتابه (أضواء على التجربة النيابية الإسلامية في
لبنان):
"إن مشاركة الإسلاميين في المجالس التشريعية في الأقطار المختلفة، وقيامهم
بدورهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وإسهامهم في معالجة كل جوانب الحياة،
ابتداء من بناء الإنسان إلى بناء الأوطان، لدليل قاطع على أن الأصل في المشروع
الإسلامي التغييري، الدعوة والحوار وعرض المبادئ والأفكار، وتسويق التشريع
الإسلامي عبر مواقع القرار المختلفة".
يتبين مما سبق:
1) أن الحركات أو الأفراد الذين رفضوا الديمقراطية، وتحفظوا عليها بشدة، إنما فعلوا ذلك من منطلق حبهم للإسلام وحرصا على نقائه، فلا يجوز التشنيع عليهم، وهذا ما أدى إليه اجتهادهم.
2) وأن الأغلبية العظمى من الإسلاميين تتبنى الرأي الآخر القائل بجواز الأخذ بالديمقراطية، مع التأكيد على تأطيرها بإطار إسلامي يضمن عدم الوقوع في مخالفات شرعية. وعليه فإنه من المكابرة بمكان أن تسعى بعض الأقلام العلمانية إلى أسلوب الغمز واللمز تجاه الإسلاميين وموقفهم من الديمقراطية.