حوار مع جريدة الوطن ضمن سيرة الشيخ عبد الرحمن الجودر

الكاتب والمحاور: وليد صبري

ضيف الحوار: محمود جناحي

تاريخ النشر: 11 نوفمبر 2007م

* نشر هذا الحوار جريدة الوطن البحرينية

 

في الحلقة الأخيرة من سيرة الشيخ الراحل عبدالرحمن الجودر نواصل إلقاء الضوء على أبرز الانتقادات والسلبيات والتساؤلات التي وجهت لجمعية الإصلاح والشيخ الجودر كممثل لها، وتيار الإخوان المسلمين في البحرين، والذي أثرناها في الحلقة السابقة محاولين إيجاد إجابات عليها ربما طال انتظارها!

 

الشيخ عبدالرحمن الجودر

الشيخ عبدالرحمن الجودر

 

"الوطن" أجرت حواراً مطولاً مع عضو الأمانة العامة بجمعية المنبر الوطني الإسلامي محمود حسن جناحي للإجابة على تلك الانتقادات والتساؤلات نستعرضها في الحوار التالي:

 

في البداية يوضح عضو الأمانة العامة بجمعية المنبر الوطني الإسلامي محمود حسن جناحي في رد على سؤال يتعلق بالموقف السلبي الذي اتخذته جمعية الإصلاح من انتفاضة الخمسينات والإصلاحات السياسية في تلك الفترة، قائلاً:

"لم تكن هناك إصلاحات سياسية في تلك الفترة حتى يكون موقفنا منها سلبياً أو إيجابياً! أما فيم يتعلق بالموقف من أحداث الخمسينات فإنه وحسب علمي، كان بعض أعضاء الجمعية "من الكبار في السن الآن ومنهم الشيخ الراحل عبدالرحمن الجودر" يشاركون في اجتماعات الهيئة الوطنية العليا باعتبارهم ممثلين عن جمعية الإصلاح.

ولكن لم تكن العلاقات بين الطرفين ودية تماماً، وذلك لعدة أسباب أهمها وأبرزها اختلاف المنطلقات الفكرية والعقائدية للطرفين، فقادة الهيئة كانوا من العلمانيين واليساريين والقوميين، كما أن بعضاً من هؤلاء القادة كانوا ممن ينظر إليهم بعين الشك والارتياب، وقد وضح ذلك لاحقاً عندما تحولوا إلى شخصيات رسمية في الدولة!

وعلى العموم فإن الموقف من تلك المسألة ليس هو الفاصل في الحكم على الجمعية بأنها كانت ضد المطالب الشعبية.

لقد كان الدور السياسي لنا في تلك الحقبة دوراً ضئيلاً فعلاً، ولكن الجمعية كانت نشطة في المجالات الأخرى التي كانت تساهم في خدمة الدين والوطن والمجتمع، كالمجالات الثقافية والدعوية والتربوية والخيرية، ولقد كانت تلك الأنشطة هي السبب في الشعبية التي تتميز وتتمتع بها الجمعية حتى الآن ولله الفضل والمنة".

 

وعن حقيقة انعدام دور تيار الإخوان المسلمين في انتخابات المجلس التأسيسي والمجلس الوطني في البحرين عام 1973م إضافة إلى أن موقف سياسيي الإخوان ظل مفقوداً لفترات طويلة، من الخمسينات وحتى التسعينات، يبين جناحي أنه:

"كان للمد اليساري والقومي أثره في ضعف الدور السياسي للحركة الإسلامية في البحرين، ولقد كان لهذا الأثر وجود في بداية السبعينات، حيث كان سبباً رئيساً في هزيمة الشيخ عبدالرحمن الجودر في انتخابات 1973م في المحرق.

ولقد عانى ذلك الجيل من أعضاء وقادة الجمعية من تأثير الآلة الجبارة للإعلام الناصري، ذلك الإعلام الذي لم يجاره في التاريخ المعاصر سوى الإعلام النازي!

فلقد كانت أعمال التشويه والإيذاء النفسي واضحة ضد تيار الجمعية كما سمعنا ونسمع من رواد ذلك الجيل. ولكن مجرد ترشح الرمز الرئيس للجمعية في تلك الانتخابات يدل على أننا كنا قد بدأنا محاولات التحرر من أغلال تلك السيطرة اليسارية والناصرية والبعثية".

 

وفي رد على سؤال يتعلق بالمقارنة بين مسيرة تيار الإخوان المسلمين في كل من البحرين والكويت ورؤية بعض المحللين السياسيين لنشأة تيار الإخوان المسلمين في البحرين (على يد الشيخ عبدالرحمن الجودر) وفي الكويت (على يد الشيخ عبدالعزيز المطوّع) في نفس الوقت وفي نفس الحقبة من الزمن، حيث التقى كل منهما بالإمام الراحل حسن البنا، ولكن يرى النقاد أن تيار الإخوان في الكويت بزغ نجمه مقارنة بنظيره البحريني فيوضح جناحي قائلاً:

"لا أستطيع أن أؤكد صحة أو خطأ هذه المعلومة، ولكن بالتأكيد هناك اختلافات بين البلدين تجعل هذه المقارنة غير منصفة، وأقصد بهذه الاختلافات الانفتاح السياسي في الكويت، والذي ربما كان أفضل من سائر الدول الخليجية..

إضافة إلى الوضع الطائفي والمذهبي في الكويت والذي يختلف عن نظيره البحريني..

وكذلك الهيمنة اليسارية والقومية التي برزت في البحرين بشكل أكبر منه في سائر دول الخليج".

 

وعن حقيقة الانتقادات التي وجهت لجمعية الإصلاح والتي أبرزها أن الجمعية فرضت على نفسها عزلة شعورية منعتها من الاندماج في المجتمع، وأنها ذات فكر جامد تجاوزه الزمن!.. يجيب الأستاذ جناحي قائلاً:

"يجد المنصف نفسه في حيرة من أمره إن هو أراد تبيان الحقائق والرد على الشبهات والافتراءات، فمعظم ما كتب عن الجمعية -على عادة أكثر ما يكتب في الصحافة هذه الأيام- إنما هو مزيج من التعميمات والانطباعات والظن والتوقعات، ولا يخلو أكثره من انعكاس لخلافات شخصية، وأهواء لا تستند إلى وقائع ملموسة، أو ينبئ في بعضه -على أحسن تقدير- عن عدم اطلاع على واقع الجمعية وأحوالها.

ونحن لا ندري كيف يمكن لمنصف أن يتهم جمعية الإصلاح بوقوعها في حبائل العزلة الشعورية ومقاطعة المجتمع ومشاكله، في الوقت الذي تعد فيه هذه الجمعية من رواد العمل الإسلامي الشعبي، وفي الوقت الذي تعزو فيه الجمعية سبب نجاحاتها في الكثير من أنشطتها -بعد توفيق الله تعالى- إلى تجاوب الجمهور معها، ذلك التجاوب الذي ما جاء إلاّ نتيجة للثقة التي تتمتع بها الجمعية لدى الغالبية العظمى من الجمهور البحريني الكريم.. وتلك الثقة التي ما كانت الجمعية لتحظى بعشر معشارها لو كانت متمترسة وراء جدران العزلة الشعورية!".

 

ويواصل جناحي حديثه مؤكداً على ضرورة الانتباه جيداً في التعامل مع بعض المصطلحات الفكرية التي وردت في كتابات بعض المفكرين الإسلاميين، وبخاصة الشهيد سيد قطب رحمة الله عليه، الذي قصد بـ"العزلة الشعورية" أن يحصن المسلم الملتزم نفسه من التأثر بالأفكار والأجواء المناهضة للفكرة الإسلامية، فلن يتأثر بها، كي يصلح أن يكون داعية إلى المجتمع الإسلامي السليم، لأن القاعدة تقول "فاقد الشيء لا يعطيه".

 

شعار جمعية الإصلاح البحرينية

شعار جمعية الإصلاح البحرينية

 

ويؤكد جناحي أن جمعية الإصلاح لها سجل حافل من التواصل مع المجتمع والتجاوب مع مشاكله، والتعاطي مع كافة فئاته من خلال تشكيلة متنوعة من الأنشطة في شتى المجالات.

فقد قامت بواجبها الديني والوطني تجاه الشريحة الأكثر فقراً من أبناء مجتمعنا من خلال لجنة الأعمال الخيرية، التي هي امتداد للجنة الاجتماعية بالجمعية، ونضيف إلى ذلك الكثير مم يمكن تسميته بـ"أوليات جمعية الإصلاح" في البحرين، ومن الأمثلة على ذلك أنها أول من أقام مراكز تحفيظ القرآن الكريم في البلاد في عام 1975م، وهي أول من بادر بإقامة معرض الكتاب الإسلامي كل سنتين منذ بداية الثمانينيات لتروج للفكر الإسلامي الوسطي المعتدل، وهي أول من اهتم بإحياء العشر الأواخر من رمضان، خاصة ليلة السابع والعشرين منه.

وتعتبر جمعية الإصلاح أول من اهتم بنشر النشيد الإسلامي الهادف، كبديل عن الأغاني الماجنة، ولها الريادة في الدعوة للاهتمام بالاقتصاد الإسلامي، والدعوة لإنشاء بنك إسلامي. ويضيف جناحي إلى ذلك المشاريع المؤسسية الناجحة للطلاب من مختلف المراحل، كمشاريع (البذور الصالحة) و(واحات القرآن الكريم) و(شباب المعالي) و(منتدى الجامعيين).

 

أما ريادة الجمعية في مجال التفاعل مع قضايا الأمة، فالحديث عنه يطول، ولقد كانت لهذه الجمعية جهود لا تنكر في مجال مناصرة الشعب الفلسطيني وصموده منذ عشرات السنين، أبعد كل هذ يقال "عزلة شعورية"! و"فكر جامد"!

 

وعن دور جمعية الإصلاح في المجتمع البحريني يوضح جناحي أن الجمعية بدأت تبني نظام المؤتمرات العامة لأعضائها من أجل تحقيق هدف نبيل يدل على مدى ما توليه الجمعية من اهتمام بالعنصر البشري، فتبنت فكرة عقد مؤتمرات الإصلاح من أجل تحقيق الوحدة الفكرية بين أعضائها العاملين، وتحديد أولوياتها، وتقييم أدائها، وتوسيع قاعدة الشورى في اتخاذ قراراتها، ومن ثم الانطلاق نحو مزيد من العمل والعطاء لخدمة هذا البلد الطيب وأهله، فعقدت مؤتمر الإصلاح الأول في 1996م تحت شعار (نحو ارتباط أوثق بالمجتمع)، يليه مؤتمر الإصلاح الثاني في 1998م تحت شعار (جيل المستقبل - التحديات والفرص)، ثم المؤتمر الثالث في 2000م تحت شعار (ثوابت المجتمع وتحديات النهوض والانفتاح)، أما المؤتمر الرابع الذي عقد في نوفمبر 2005م فقد كان تحت شعار (نحو تنمية مؤسسية رائدة).

ومم يذكر لجمعية الإصلاح كذلك أنها اهتمت بتنمية طاقاتها البشرية عن طريق إنشاء قسم متخصص للتدريب نظم منذ إنشائه عام 1999م عشرات الدورات الإدارية لأعضاء الجمعية العاملين، ولغيرهم من المشاركين.

 

ويواصل جناحي حديثه متسائلاً:

"أليست الجمعية تنتهج نهجاً إسلامياً واقعياً وسطياً معتدلاً، رضيته لنفسها، من واقع تأثرها بمدرسة الإخوان المسلمين؟

فهي المدرسة التي تعتبر أبعد م يكون عن اعتزال المجتمع أو النظر إليه نظرة دونية؟ ألم تكن المبادرة السريعة إلى تأسيس جمعية (المنبر الوطني الإسلامي) إلا تجاوباً مع المرحلة الجديدة التي نعيشها في زمن الإصلاح؟

ألم تكن النتيجة التي تحققت من خلال صناديق الاقتراع في أكتوبر 2002م ونوفمبر 2006م إلاّ دليلاً دامغاً على أن هذا التيار يخالط الناس ول يعتزلهم، وأنه يتصف بفكر مرن -لا جامد- وعنده مهارة في التكيف في ظل تمسكه بقاعدة "التكيف مع المتغيرات والرسوخ على الثوابت".

 

شعار جمعية المنبر الوطني الإسلامي

شعار جمعية المنبر الوطني الإسلامي

 

وفي رد على سؤال يتعلق بانتشار أنشطة الجمعية في فترة الثمانينيات من القرن المنصرم نتيجة لإيعاز من جهات رسمية لخلق توازن طائفي -سني وشيعي- فيوضح الأستاذ محمود جناحي بقوله:

"هذا زعم يفتقر إلى دليل، كما يناقض كل المعطيات الفكرية والتاريخية. إن عامل الأحداث الخارجية له دور ل يمكن نكرانه هنا، فقد شهد العالم بأسره ظاهرة الصحوة الإسلامية من بداية السبعينات، نتيجة لعدة عوامل، منها السقوط المروع للنظريات المنافسة للفكرة الإسلامية، من قومية وشيوعية واشتراكية، خاصة بعد نكبة عام 1967م، ومنها الإفراج عن الإخوان المسلمين في مصر، بعد سنوات طويلة من الغياب القهري الظالم، فبدؤوا في العمل من جديد، وبدأ الإنتاج الفكري والثقافي للإسلاميين عامة، وللإخوان خاصة في الانتشار، وبدأت الجماهير في كل العالم الإسلامي تقبل على الفكرة الإسلامية، وبدأت المظاهر الإسلامية كالحجاب الإسلامي والأناشيد الإسلامية والمؤسسات الإسلامية الاجتماعية والثقافية في الانتشار حيثما وجد مسلمون! ولم تكن البحرين بدعاً في ذلك. ولم يكن السبب يوماً من الأيام رغبات من جهات عليا أو توجيهات من متنفذين كما حاول بعض الكتاب أن يصورو!".

 

وفي رد على سؤال يتعلق بانتقاد الجمعية أنها أهملت كتابة تاريخها فمنعت الأجيال من الاطلاع على تجربتها، فيوضح جناحي أن مسألة تدوين تاريخ الجمعية، موضوع في غاية الأهمية، ويشعر بأهميته أعضاء الجمعية ومحبيها وحتى خصومه!

والتاريخ شعاع من الماضي ينير الحاضر والمستقبل، ولاشك في أن الجمعية جادة في توفير كل الوسائل المتاحة لتدوين هذا التاريخ المشرّف بأسرع وقت ممكن، وقد أنجزت من ذلك الكثير، ولكن الأمانة تقتضي التأني في تنفيذ تلك المهمة الصعبة، إذ هناك بعض العوائق كالحاجة إلى استكمال بعض النواقص في بعض المراحل التاريخية وبخاصة في الخمسينات والستينات، وكذلك الحاجة إلى التأكد من بعض الأحداث، فالتاريخ أمانة، والجمعية -مع اعترافها بواجبها في كتابة هذا التاريخ ونشره- ترى أن التعجل في ذلك قبل استيفاء الموضوع حقه خضوعاً لضغوط الصحافة خطأ لا يجب الوقوع فيه.

 

ويتطرّق جناحي للحديث عن الإخوان المسلمين بشكل عام ودورهم بين الحقيقة والافتراء موضحاً أنه قد دأبت بعض الأقلام على النيل من الإخوان المسلمين، وكيل السباب والاتهامات الجائرة لهم، حيث أصبحنا نقرأ بأن الإخوان هم "أصل البلاء.. وأنهم أدخلوا التشدد إلى منطقة الخليج.. وأنهم السبب في انتشار ظاهرة التكفير.."!! إلى غير ذلك من الاتهامات الخالية تماماً من الإثبات، والبعيدة تماماً عن الإنصاف.

ويبين جناحي أنه قد ساء البعض أن يجدوا الجماهير العربية وهي ترجم كافة الرموز والمبادئ المستوردة من الشرق أو الغرب، وتتشبث بمقدساتها الإسلامية العظيمة، وذهلوا وهم يرون الجماهير المخلصة في كافة ديار العروبة والإسلام وهي ترفع الشعارات التي تؤكد انتماءها للإسلام، وتعرض عما سواه.

ولما كان للإخوان المسلمين الدور الرائد في تشبث الجماهير بإسلامها، استحقوا في نظر الخصوم النصيب الأكبر من حملات التشويه الإعلامي والتحريف الفكري.

 

الإخوان المسلمون وفكر التكفير

 

وفيم يتعلق بموقف الإخوان من قضية التكفير يفسر جناحي ذلك بقوله:

"أما عن تهمة التكفير وإلصاقها بالإخوان، فإن التكفير عندهم قضية خطيرة جداً، ول يجوز التساهل فيها، فإن الذي نحكم عليه بالكفر نخرجه من الملة، ونفصله عن الأسرة، ونفرّق بينه وبين زوجه وولده، ونعده عدواً لله ورسوله والمؤمنين.

لهذا انتبه الإمام حسن البنا رحمه الله لهذا الأمر الخطير، فذكر في الأصل العشرين من الأصول التي ذكرها في رسالة "التعاليم" ما يلي: (لا نكفر مسلماً أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض، برأي أو معصية، إلا إن أقرّ بكلمة الكفر، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً ل يحتمل تأويلاً غير الكفر)".

 

ويؤكد جناحي على حقيقة هامة وهي أن "للإخوان أصول يرجعون إليها في مسائل خطيرة كهذه"، ولقد كانت سيرتهم العملية مصداقاً لأصولهم النظرية.

ففي فترة الخمسينات والستينات، عندما كان الآلاف من الإخوان يعانون شتى أنواع التعذيب والتنكيل في سجون مصر، بدأت تظهر بين البعض منهم دعوات غريبة عن منهجهم الفكري.. أخذت تتخذ شيئاً فشيئاً طابع التكفير، وكانت هذه النظرة قائمة على أساس أن أعمال التعذيب الرهيبة هذه لا يمكن أن تصدر عن أناس مسلمين، فانتهى بهم ذلك إلى تكفير الحكومة، أي الدولة ورجالاتها، وبما أن المجتمع لا يبدي اعتراضه على هذه الممارسات، فالمجتمع كافر أيضاً!!.

ولكن الإخوان أعلنوا حالة الطوارئ بين صفوفهم وهم في الزنازين! وأقاموا دروساً فكرية توعوية، وبيّنوا لأفرادهم المنهجية الصحيحة في التعامل مع الحكام والشعوب في مثل هذه الأوضاع.
وكانت للجهود التي قام بها الإخوان وخاصة جهود الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله، والتي منها كتابه الذي ألفه (دعاة لا قضاة) الأثر العظيم في التصدي لظاهرة التكفير ومحاصرة الفكر التكفيري في مصر، والحد من انتشاره.

 

الإخوان وظاهرة التشدد

 

وعن ظاهرة التشدد والتصاقها بالإخوان المسلمين يوضح الأستاذ محمود جناحي بقوله:

"الإخوان هم أبعد الناس عن ظاهرة التشدد الديني والفقهي، وهم يلتزمون بالقاعدة الذهبية التي تقول: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه).

إن آلاف الكتب والرسائل التي كتبها قادة الإخوان ومفكروهم ودعاتهم، أمثال حسن البنا وحسن الهضيبي وعمر التلمساني ومصطفى مشهور ومصطفى السباعي ويوسف القرضاوي ومحمد الغزالي وفتحي يكن وغيرهم الكثير، والسيرة العملية للإخوان طوال العقود الماضية لهي خير شاهد على الفكر الوسطي المتسامح الذي يلتزمه الإخوان أينما وجدوا، وحيثما حلـّوا".

 

فقه الجهاد عند الإخوان

 

وفي رد على سؤال يتعلق بحقيقة فقه الجهاد عن الإخوان، يجيب جناحي موضحاً أن الإخوان المسلمين بذلوا ما في وسعهم من أجل إحياء معنى الجهاد الإسلامي الأصيل كما فهمه وطبقه السلف الصالح رضي الله عنهم، فلم يعملوا على توجيه الحراب إلى صدور الأبرياء والمسالمين، بل وجهوا جهودهم للتصدي لقوى الاستعمار الرابض على أراضي البلاد الإسلامية، المنتهك لحرمات الديار والمقدسات.

وسوف يذكر التاريخ أن الإخوان يعدون الفئة الوحيدة تقريباً التي جاهدت اليهود وقاتلتهم قتالاً حقيقياً في حرب فلسطين عام 1948م وها هي معارك وملاحم عسلوج وتبة اليمن والتبة 86 وصور باهر والقدس والنقب تشهد على بطولاتهم، وها هو التاريخ يسجل أن قيادة الجيش المصري كانت تستنجد بمجاهدي الإخوان كلما عانت من صعوبات في ميدان القتال.

كما كان للإخوان النصيب الأوفر في أعمال المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي في منطقة القنال في أوائل الخمسينيات.

وهكذا وجه الإخوان جهودهم الجهادية ضد أعداء الأمة، وليس ضد أوطانهم وأبناء مجتمعاتهم. وهذا هو فقه الجهاد عند الإخوان ولكن.. أين الإنصاف؟!

 

الإخوان المسلمون والعنف السياسي

 

وفيم يتعلق بممارسة الإخوان المسلمين للعنف السياسي يبين جناحي قائلاً:

"لم تسجل ضد الإخوان المسلمين حادثة عنف واحدة، ولعل التصريحات التي سوف نذكرها هي أبلغ جواب للرد على نفي تلك التهمة عن الإخوان ومن أبرزه: تصريحات الرئيس المصري حسني لجريدة (لوموند) الفرنسية أثناء زيارته لفرنسا سنة 1993م والتي قال فيه: (إن هناك حركة إسلامية في مصر تفضل النضال السياسي على العنف، وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح في انتخابات النقابات المهنية، مثل الأطباء والمهندسين والمحامين).

وتصريحات وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء حسن الألفي في مؤتمره الصحفي الذي نشرت وقائعه جريدة (الأهرام) عام 1994م عندما سئل عن علاقة الإخوان بتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية، أجاب: (الإخوان جماعة ل يرتكب أفرادها أعمال عنف، بعكس تلك المنظمات الإرهابية).

وتصريحات خبير الإرهاب الدولي بالأمم المتحدة اللواء أحمد جلال عز الدين، حيث صرّح في مقابلة موسعة له عن التطرّف والإرهاب مع جريدة (الأنباء) الكويتية عام 1994م قائلاً: (إن الإخوان المسلمين حركة دينية سياسية ليس لها صلة بالإرهاب والتطرّف).

ومن هنا نلمس أن الإخوان ارتضوا النضال السياسي السلمي، وطوال هذه الفترة التي كان الإخوان قد اختاروا فيها العمل السياسي السلمي، كانت (الجماعة الإسلامية) و(تنظيم الجهاد) تنتقدان بشدة أسلوب الإخوان في العمل.

وبعد حوالي ثلاثة عقود من الانتقادات القاسية والسباب والشتائم، ها هي بيانات وإصدارات (الجماعة الإسلامية) تتبنى نفس نهج الإخوان وتعترف بالأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة الماضية.

فالإخوان ليسوا ممن اتبع نهج التكفير، بل هم خير من ساهم في التصدي لهذه الظاهرة حركياً وفكريا".

 

ويختم الأستاذ جناحي حديثه لـ(الوطن) مشيراً إلى أنه ليس من المؤلم أن تنتقد جمعية الإصلاح، فهي ليست معصومة، بل إن النقد يدل على حياة هذه الجمعية العريقة وحيويتها وقوتها، ولكن المؤلم في الأمر أن توجه السهام الجارحة بطريقة توحي للقارئ والمواطن العادي أن تلك الجمعية العريقة خالية من الإيجابيات!

والأكثر إيلاماً للنفس، أن تتعدى بعض الكتابات حدود النقد إلى تجريح الأشخاص والافتراء والتهم. وكما أنه لا أحد أكبر من النقد، فإنه ل غنى لأحد عن العدل والإنصاف.