حزب الدعوة والسهام الثلاثة القاتلة

تاريخ النشر: 9 سبتمبر 2007م

 

كان تأسيس حزب الدعوة في العراق في أواخر خمسينيات القرن الميلادي المنصرم إيذانا بدخول شباب الشيعة مجال العمل الإسلامي الحركي، بعد أن كان النشاط الحركي مقتصرا على جماعة الإخوان المسلمين الذين بدءوا العمل منذ أواسط الأربعينيات على يد الشيخ محمد محمود الصواف.

وقد كان شباب الشيعة قبل تأسيس الدعوة متعطشين للعمل الإسلامي الحركي لدرجة أن بعضهم انضم لفرع حزب التحرير الإسلامي (السني) في العراق، وفي مقدمة هؤلاء الشيخ عارف البصري الذي أوشك أن يصبح من قادة الحزب ولكنه انسحب منه بعد توفر البديل الشيعي أي حزب الدعوة. وقد أعدم حزب البعث الشيخ البصري في عام 1974 ضمن مجموعة من كوادر حزب الدعوة.

انتشر الحزب انتشارا كبيرا في الوسط الشيعي العراقي وامتد إلى الخارج، وأوشك أن يكون له من القوة والنفوذ والهيمنة ما لحزب الله اللبناني اليوم، لولا أنه ابتلي بثلاثة سهام قاتلة، أدت إلى ضعفه وضموره وانقسامه.

 

السهم الأول: الانشقاقات

وقد بدأت أولى هذه الانشقاقات في أواخر الستينيات، عندما انشق سامي البدري وأسس تنظيم (جند الإمام)، متهما قيادة حزب الدعوة بعدم الاهتمام الكافي بالشعائر الشيعية!

ثم حدث انقسام ثان بعد مؤتمر القواعد الذي عقد في عام 1979م .

أما فترة ما بعد اللجوء إلى إيران فقد كانت غنية بالانشقاقات، منها على سبيل المثال الانشقاق الذي حدث في مؤتمر عام 1980م والذي عرف بمؤتمر الإمام المهدي، ثم المجموعات التي انشقت بقيادة الشيخ علي الكوراني والشيخ مهدي الآصفي والشيخ كاظم الحائري.. إلخ.

 

السهم الثاني: المواقف السلبية لقادة الحزب "المعممين"

كان للمعممين أو المشايخ دورا سلبيا خطيرا في هذا التشظي المذهل الذي أصاب الحزب، ابتداء من المؤسس نفسه (محمد باقر الصدر) الذي صدرت له أوامر مباشرة من المرجع محسن الحكيم بترك الحزب على أساس أن العالم الديني يجب أن يكون فوق الأحزاب والحزبية.

وقد ذكرت بعض الكتب التي أرخت لحزب الدعوة خصوصا، وللحالة الإسلامية الشيعية في العراق عموما، تفاصيل مهمة تتعلق بالمواقف المترددة للمعممين من حيث الانضمام لحزب الدعوة ثم الانسحاب، مع ما يسببه هذا الانسحاب من إشكالات تنظيمية وفكرية. ولمن يريد التفصيل فعليه الرجوع إلى كتابات عادل رؤوف وصلاح الخرسان وعلي المؤمن.

تأملوا معي هذه القائمة التي تضم شخصيات (علمائية) كانت منضوية للحزب ثم تركته تنظيميا مع بقاء الأثر الفكري أو تركته بصفة مطلقة: محمد مهدي الحكيم، محمد باقر الحكيم، كاظم الحائري، مهدي الآصفي، مرتضى العسكري، علي الكوراني، محمد حسين فضل الله، محمد مهدي شمس الدين، عبد الهادي الفضلي، محمد علي تسخيري، سليمان المدني، عيسى قاسم!!

يلاحظ أن بعض هذه الشخصيات أصبحت الآن تحمل لقب المرجعية (آية الله العظمى). وقد يكون ذلك سببا -من بين أسباب أخرى- في الهروب من الحزبية والتنصل منها لمن يطمح للوصول إلى المرجعية، بل حتى لمن يتقلد مهام الوكالة الشرعية المحلية عن المراجع، فالارتباط بأحزاب معينة كفيل بعدم توسع دائرة التقليد، وهذا ما يتجنبه من يتصدى للمرجعية.

وقد أشار بعض المتابعين لحالة حزب الدعوة أن تأثير القادة من غير المعممين (أو الأفندية!) أمثال عبد الصاحب دخيـّل ومحمد هادي السبيتي كان أفضل بكثير من المعممين من حيث المحافظة على مبادئ الحزب الأصلية والمحافظة على البنية التنظيمية للحزب.

أما القادة الحاليين للحزب في العراق، أمثال إبراهيم الجعفري ونوري المالكي فهم ليسوا إلا (حملة لافتات!!).. لا يقارنون أبدا بأمثال دخيّل والسبيتي.

 

السهم الثالث: الموقف من ولاية الفقيه

كان السيد محمد باقر الصدر يتطلع إلى تبني مشروع سياسي شرعي يتناسب مع الفكر الشيعي الذي يحمله الحزب، وكان يقول في البداية بنظرية (الشورى)، وقد اتهم نتيجة لذلك بتأثره بالفكر السياسي السنّي!

ونتيجة لهذه الاتهامات، وللانبهار الذي أحدثه انتصار الثورة الإيرانية خرج بنظرية جديدة هي نظرية (الخلافة والشهادة) التي هي مزيج من (الشورى) ونظرية (ولاية الفقيه).. أي أن الصدر لم يتبنى يوما ما نظرية (ولاية الفقيه العامة المطلقة) التي قال بها وطبقها الخميني بعد انتصار الثورة الإيرانية.

وقد ظلت هذه المسألة -ولاية الفقيه- مصدرا للجدل والتنازع داخل أروقة الحزب. وقد كان السبب الرئيس في انفصال الشيخ كاظم الحائري بمجموعته هو تبني هذه المجموعة لنظرية ولاية الفقيه في صيغتها الخمينية.