الإخوان المسلمون بين الحقيقة والافتراء

تاريخ النشر: 6 مايو 2007م

 

دأبت بعض الأقلام العلمانية من يسارية ومتأمركة، ومن خلال بعض الجرائد المحلية والعربية على النيل من الإخوان المسلمين، وكيل السباب والاتهامات الجائرة لهم، مستفيدة من الوضع البائس الذي أضحينا نحياه في ظل الهيمنة الأمريكية المطلقة وما صاحبها من تسلط النفعيين وذوي الأقلام المسمومة على بعض وسائل الإعلام في مجتمعاتنا المسلمة.

 

وهكذا أصبحنا نقرأ بأن الإخوان هم (أصل البلاء. وأنهم أدخلوا التشدد إلى منطقة الخليج.. وأنهم السبب في انتشار ظاهرة التكفير..)!! إلى غير ذلك من الاتهامات الخالية تماما من الإثبات، والبعيدة تماما عن الإنصاف.

لقد ساء البعض أن يجدوا الجماهير العربية وهي ترجم كافة الرموز والمبادئ المستوردة من الشرق أو الغرب، وتتشبث بمقدساتها الإسلامية العظيمة، وذهلوا وهم يرون الجماهير المخلصة في كافة ديار العروبة والإسلام وهي ترفع الشعارات التي تؤكد انتماءها للإسلام، وتعرض عما سواه.

ولما كان للإخوان المسلمين الدور الرائد في تشبث الجماهير بإسلامها، استحقوا في نظر أساطين العلمانية النصيب الأكبر من حملات التشويه الإعلامي والتحريف الفكري.

 

الإمام حسن البنا

الإمام حسن البنا

 

أما عن تهمة التكفير وإلصاقها بالإخوان، فإن التكفير عندهم قضية خطيرة جدا، ولا يجوز التساهل فيها، فإن الذي نحكم عليه بالكفر نخرجه من الملة، ونفصله عن الأسرة، ونفرق بينه وبين زوجه وولده، ونعده عدوا لله ورسوله والمؤمنين.

لهذا انتبه الأستاذ حسن البنا رحمه الله لهذا الأمر الخطير، فذكر في الأصل العشرين من الأصول التي ذكرها في رسالة (التعاليم) ما يلي: "لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض، برأي أو معصية، إلا إن أقرّ بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر".

إذن، فللإخوان أصول يرجعون إليها في مسائل خطيرة كهذه، ولقد كانت سيرتهم العملية مصداقا لأصولهم النظرية.

ففي فترة الخمسينيات والستينيات، عندما كان الآلاف من الإخوان يعانون شتى أنواع التعذيب والتنكيل في سجون حاكم مصر، بدأت تظهر بين البعض منهم دعوات غريبة عن منهجهم الفكري.. دعوات أخذت تتخذ شيئا فشيئا طابع التكفير، وكانت هذه النظرة قائمة على أساس أن أعمال التعذيب الرهيبة هذه لا يمكن أن تصدر عن أناس مسلمين، فانتهى بهم ذلك إلى تكفير الحكومة، أي الدولة ورجالاتها، وبما أن المجتمع لا يبدي اعتراضه على هذه الممارسات، فالمجتمع كافر أيضا!!

 

أعلن الإخوان حالة الطوارئ بين صفوفهم وهم في الزنازين! وأقاموا دروسا فكرية توعوية، وبيّنوا لأفرادهم المنهجية الصحيحة في التعامل مع الحكام والشعوب في مثل هذه الأوضاع.

والكل يعلم كم قدم الإخوان من شهداء، وكم قدموا من تضحيات، وكم ارتوت السياط من دمائهم، وسحقت أدوات التعذيب من عظامهم، ولكن يظل التكفير أمرا خطيرا له ما بعده.

أما الشعوب فهي مغلوبة على أمرها، ومهما ابتعدت عن أمر دينها في فترات معينة، فإنها تعود إلى أصولها، وتشتاق إلى إسلامها مهما بعدت الشقة. فلم ينسى الإخوان أن الشعوب هي مادة الدعوة، وأن الفطرة السليمة راسخة فيها، ولابد أن تستجيب يوما لنداء هذه الفطرة، وأن التكفير هو الجدار الذي سيحول بين الدعاة وبين إيصال كلمة الحق إليها.

 

الأستاذ حسن الهضيبي

الأستاذ حسن الهضيبي

 

لقد أدت جهود الإخوان، وخاصة تلك الجهود التي بذلها الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله، والتي منها كتاب (دعاة لا قضاة) الذي ألفه للتصدي لظاهرة التكفير.. كان لهذه الجهود -بفضل الله- الأثر العظيم في محاصرة الفكر التكفيري في مصر، والحد من انتشاره.

 

الأستاذ عمر التلمساني

الأستاذ عمر التلمساني

 

أما ظاهرة التشدد الديني والفقهي، فإن الإخوان هم أبعد الناس عنها، وهم يلتزمون بالقاعدة الذهبية التي تقول: "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه".

إن آلاف الكتب والرسائل التي كتبها قادة الإخوان ومفكروهم ودعاتهم، من أمثال حسن البنا وحسن الهضيبي وعمر التلمساني ومصطفى مشهور ومصطفى السباعي ويوسف القرضاوي ومحمد الغزالي وفتحي يكن وغيرهم الكثير، والسيرة العملية للإخوان طوال العقود الماضية لهي خير شاهد على الفكر الوسطي المتسامح الذي يلتزمه الإخوان أينما وجدوا، وحيثما حلّوا.

إذا، فالإخوان بفضل الله هم من صان الفكر الإسلامي، وحافظ على شباب الأمة -في مصر وغيرها- من أن يسلكوا سبيل التشدد والتكفير، فأدوا بذلك خدمة عظيمة لدينهم وأوطانهم.

 

الشيخ مصطفى السباعي

الشيخ مصطفى السباعي

 

أما في ما يتعلق بفقه الجهاد عند الإخوان، فقد عمل الإخوان المسلمون على إحياء معنى الجهاد الإسلامي الأصيل كما فهمه وطبقه سلفنا الصالح رضي الله عنهم، فلم يعملوا على توجيه الحراب إلى صدور الأبرياء والمسالمين، بل وجهوا جهودهم للتصدي لقوى الاستعمار الرابض على أرضنا، المنتهك لحرمات ديارنا ومقدساتنا.

لقد كاد الإخوان يعدون الفئة الوحيدة تقريبا التي جاهدت اليهود وقاتلتهم قتالا حقيقيا في حرب فلسطين عام 1948م، وهاهي معارك وملاحم عسلوج وتبة اليمن والتبة 86 وصور باهر والقدس والنقب تشهد على بطولاتهم، وهاهو التاريخ يسجل أن قيادة الجيش المصري كانت تستنجد بمجاهدي الإخوان كلما عانت من صعوبات في ميدان القتال.

كما كان للإخوان النصيب الأوفر في أعمال المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي في منطقة القنال في أوائل الخمسينيات.

وهكذا وجه الإخوان جهودهم الجهادية ضد أعداء الأمة، وليس ضد أوطانهم وأبناء مجتمعاتهم.

هذا هو فقه الجهاد عند الإخوان ولكن.. أين الإنصاف!

 

الدكتور فتحي يكن

الدكتور فتحي يكن

 

وأما في ما يتعلق بتهمة ممارسة العنف السياسي، فمنذ أن خرج الإخوان من المعتقلات في مصرفي بداية السبعينيات، أي منذ أكثر من 35 عاما، لم تسجل ضدهم حادثة عنف واحدة.. ألا يدرك العلمانيون وكل أعداء المشروع الإسلامي هذه الحقيقة الواضحة؟ بلى.. ولكنه الحقد الأسود والتنافس غير الشريف الذي يعمي الأبصار عن الوقائع والحقائق.

لقد صرح الرئيس حسني مبارك لجريدة (لوموند) الفرنسية أثناء زيارته لفرنسا سنة 1993م بتصريح نشرته الصحف المصرية، وفي مقدمتها جريدة (الأهرام) بتاريخ 1 نوفمبر 1993م قال فيه: "إن هناك حركة إسلامية في مصر تفضل النضال السياسي على العنف، وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح في انتخابات النقابات المهنية، مثل الأطباء والمهندسين والمحامين".

وعندما سئل وزير الداخلية المصري اللواء حسن الألفي في مؤتمره الصحفي الذي نشرت وقائعه جريدة (الأهرام) وجريدة (الجمهورية) في 14 أبريل 1994م، عندما سئل عن علاقة الإخوان بتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية، أجاب: "الإخوان جماعة لا يرتكب أفرادها أعمال عنف، بعكس تلك المنظمات الإرهابية".

كما أكد ذلك خبير الإرهاب الدولي بالأمم المتحدة اللواء أحمد جلال عز الدين، حيث صرح في مقابلة موسعة له عن التطرف والإرهاب مع جريدة (الأنباء) الكويتية بتاريخ 13 أغسطس 1994م قائلا: "أن الإخوان المسلمين حركة دينية سياسية ليس لها صلة بالإرهاب والتطرف".

 

الأستاذ مصطفى مشهور

الأستاذ مصطفى مشهور

 

لقد ارتضى الإخوان بالنضال السياسي السلمي، وشاركوا في العملية الديمقراطية، مع ما يشوب هذه الديمقراطية عادة في بلادنا العربية من أعمال التزييف و(البلطجة)!

فشاركوا في انتخابات 1984م متحالفين مع حزب الوفد الجديد، بالرغم من الخصومات التاريخية المعروفة بين الطرفين.

وفي عام 1988م دخلوا في تحالف مع حزبي العمل والأحرار، وحققوا نتائج طيبة في الانتخابات البرلمانية في تلك السنة.

كما خاضوا انتخابات عام 2000م ونجحوا في الفوز بـسبعة عشر مقعدا، وفي الانتخابات الأخيرة فازوا بـ 88 مقعدا بالرغم من الحرب الشعواء غير القانونية التي شنت ضدهم، مما يدل على شعبيتهم الواسعة أولا، وقناعتهم ثانيا بالعمل السياسي السلمي.

 

وطوال هذه الفترة التي كان الإخوان قد اختاروا فيها العمل السياسي السلمي، كانت (الجماعة الإسلامية) و(تنظيم الجهاد) تنتقدان بشدة أسلوب الإخوان في العمل.

وبعد حوالي ثلاثة عقود من الانتقادات القاسية والسباب والشتائم، هاهي بيانات وإصدارات (الجماعة الإسلامية) تتبنى نفس نهج الإخوان وتعترف بالأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة الماضية، وها هي بوادر أخرى شبيهة على وشك الصدور من (تنظيم الجهاد).

 

إذا، فالإخوان ليسوا ممن اتبع نهج التكفير، بل هم خير من ساهم في التصدي لهذه الظاهرة حركيا وفكريا..

وهم ليسوا ممن لوث اسم الجهاد ومعانيه السامية، بل هم الذين جاهدوا في الله حق جهاده..

وهم ليسوا كذلك ممن اتبع أسلوب العنف والشدة، بل قالوا ربنا الله ثم استقاموا، ودعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.