الإسلام والعروبة أين المشكلة؟
تاريخ النشر: 14 أبريل 2007م
من علامات الإنسان المسلم الملتزم بإسلامه أن يحب العرب والعروبة، فلا يكره العرب والعروبة إلا زنديق! ولا يشمئز من لسان العرب إلا شعوبي بغيض.
فقد نزل القرآن عربيا، واختير نبي الإسلام عربيا. يقول رب العزة {وإنه لتنزيل رب العالمين ۞ نزل به الروح الأمين ۞ على قلبك لتكون من المنذرين ۞ بلسان عربي مبين}.
والعرب هم حملة رسالته الأولون، الذين بلّغوا كلمة الإسلام في وقت كانت فيه البشرية في أمسّ الحاجة إليه، وهم أول من شرفهم الله تعالى بحمل القواطع اللوامع للذب عن هذا الدين الحنيف.
العرب محبتهم من علامات الإيمان، وبغضهم يودي إلى الحرمان.
وأرض العرب شهدت مولد النور، ومنها بدأت ملحمة الإسلام، وهي أرض المقدسات.
العروبة قلب الإسلام، وهل يحيا الجسد بلا قلب!
ولكن.. هل للقلب معنى بلا جسد يحتويه ويحميه؟
فالإسلام هو الذي خلـّد العربية حينما نزل بها كتابه العظيم، وهو الذي علـّم العرب من جهالة، وهداهم من ضلالة، ووحدهم بعد فرقة، وألـّف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمة الله إخوانا، وأهـّلهم ليكونوا قادة الدنيا وأساتذة البشر. والعروبة الحقّة تتخذ من الأخوة الإسلامية درعا وسندا وعونا.
لا يمكن الفصل بين العروبة والإسلام، فإن الرابطة بينها رابطة طبيعية، هكذا نفهم العلاقة بين العروبة والإسلام.
إذا، لم هذه الإشكاليات الفكرية والسياسية نراها ونلمسها أحيانا بين تيارات إسلامية، وأخرى عروبية، ولم هذا الفصام النكد بين الطرفين؟
لقد كان الصراع الفكري والسياسي مستعرا بين التيارين الإسلامي والقومي العربي طوال النصف الثاني من القرن المنصرم.
هذا الصراع ذكـّاه وتسبب فيه أطراف ثلاثة: بعض الإسلاميين، وبعض العروبيين، وبعض الحكام العرب!
فهناك فئات من الإسلاميين تعاني من الفقر الشديد في فقه التعامل مع الآخر.. أي آخر!
وإن كان من داخل الصف الإسلامي، كما تتبنى أطروحات في غاية التطرف والإقصائية، فيمنعها ذلك من تحمل مشقة الاقتراب من الآخرين لاستكشاف الأرضيات المشتركة، والبحث عن العوامل الموحدة، فأدى ذلك بهم إلى فقدان حاسة التمييز بين التيارات المتباينة للفكر العروبي المطروحة على الساحة، وبالتالي إهمال الموقف الوسطي الموافق للشرع الحنيف، والذي وقفه عمالقة الفكر الإسلامي المعاصر.
فعلى سبيل المثال، يقول رائد الصحوة الإسلامية في الجزائر، الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله: "إن الجزائر بلد عربي، ومن ذا الذي يفكر في إنكار هذه الحقيقة! وهي أرض إسلامية أصيلة، وذلك حق أيضا، ومهما يكن من إرادة الإمبريالية في الماضي والحاضر، ومهما يكن من قوة حرابها، فإن هذه الظاهرة تظل صادقة تمام الصدق". (د. محمود قاسم، الإمام بن باديس ص13)
ويقول مجدد هذا الزمان الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله مؤسس كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث: "ومن هنا كانت وحدة العرب أمرا لا بد منه لإعادة مجد الإسلام وإقامة دولته وإعزاز سلطانه. ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية وتأييدها ومناصرتها، وهذا هو موقف الإخوان المسلمين من الوحدة العربية". (رسالة المؤتمر الخامس)
ويقول: "والعروبة، أو الجامعة العربية، لها في دعوتنا كذلك مكانها البارز، وحظها الوافر، فالعرب هم أمة الإسلام وشعبه المخيّر، وبحق ما قاله صلى الله عليه وسلم : {إذا ذل العرب ذل الإسلام}. ولن ينهض الإسلام بغير اجتماع كلمة الشعوب العربية ونهضتها، وإن كل شبر أرض في وطن عربي نعتبره من صميم أرضنا ومن لباب وطننا". (رسالة دعوتنا في طور جديد)
أما الداعية الشيخ محمد الغزالي رحمه الله فيقول: "ولما بعث محمد عليه الصلاة والسلام بين العرب، ولما صاغ الإسلام هذه الأشتات من البشر صياغته المحكمة، بدأت الأمة العربية تظهر في التاريخ، وأخذت دائرتها تنداح قرنا بعد قرن، وجذورها تعمق حينا بعد حين، حتى أصبحت الأمة العربية -بهذه الرسالة التي حملتها- تمثل غاية من أعرق الغايات". (محمد الغزالي، حقيقة القومية العربية ص47)
وممن ساهم في دق الإسفين بين الإسلاميين والعروبيين، بعض أدعياء العروبة ممن سموا زورا وبهتانا بالمفكرين القوميين ومنظري وقادة الفكر العروبي، وهم الذين اتخذوا موقفا عدائيا، صريحا أو مغلّفا، من الدين الإسلامي الحنيف، واعتبروا العروبة بديلا عن الإسلام.
ونعوذ بالله من شرور ذلك الدعيّ الملحد الذي كتب يوما في نشرة رسمية في دولة عربية (ثورية):
آمنت بالبعث ربا لا شريك له..
وبالعروبة دينا ما له ثاني
واسمع إلى ميشيل عفلق وهو يقارن بين الإسلام وبين غيره من مراحل التاريخ العربي، فيسوي بين الإسلام، وبين جاهلية العرب وكفر حمورابي، فيقول: "فهذه الأمة التي أفصحت عن نفسها وعن شعورها بالحياة إفصاحا متعددا متنوعا، في تشريع حمورابي، وشعر الجاهلية، ودين محمد(!!) وثقافة عصر المأمون، شعور واحد يهزها في مختلف الأزمان، ولها هدف واحد بالرغم من فترات الانقطاع والانحراف". (ميشيل عفلق، في سبيل البعث ص77)
ومن الجدير بالذكر أيضا، أن جمهور الإسلاميين ينظرون بعين الشك والريبة في حقيقة أن رواد الدعوة إلى القومية العربية في بدايات القرن الميلادي المنصرم كانوا جميعهم تقريبا من النصارى الذين عادوا الدولة العثمانية، وارتبطوا بروابط روحية وثقافية وطيدة بالمستعمر الأوروبي. فهؤلاء لم ينظروا إلى العروبة باعتبارها تستظل بظلال الإسلام، بل كرابطة بديلة عن الإسلام!
أما الطرف الثالث الذي تحمل وزر هذا الجفاء، بل العداوة المصطنعة بين الإسلام والعروبة فهم بعض حكام الدول العربية، الذين ارتكبوا مجازر رهيبة بحق الإسلاميين في بلدانهم، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والأيتام والأرامل.
لقد أدت هذه السياسة الخرقاء التي اتبعها حكام الدول التي رفعت راية القومية العربية، إلى حدوث ردة فعل عنيفة في صفوف الإسلاميين، ما زالت آثارها باقية عند الكثيرين منهم.
هذه هي الأطراف الثلاثة (بعض الإقصائيين من الإسلاميين وبعض أدعياء العروبة من المعادين للإسلام وبعض الحكام من جبابرة العرب) التي ساهمت في إحداث الفصام النكد بين الإسلاميين والعروبة.
ولكن هناك مؤشرات توضح حدوث انفراج وتقارب بين الطرفين لصالح قضايا العرب والمسلمين، ولعل عقد المؤتمرات المشتركة بين الجانبين في السنوات الأخيرة سينتج عنها خير كثير.
إن حجم المؤامرات التي تحاك ضد ديار العرب والمسلمين اليوم لتدعونا لرص الصفوف وتوحيد الجهود. فالخطب جلل، والمصاب عظيم. ولنا عظة وعبرة مما جرى ويجري في فلسطين وأفغانستان والعراق والصومال والسودان و(...)!.