الغرب ومهزلة مذابح الأرمن

تاريخ النشر: 11 نوفمبر 2019م

 

أثناء الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، كانت الدولة العثمانية تخوض الحرب ضد الإنجليز والفرنسيين والروس على أربع جبهات، منها الجبهة الشرقية، أو جبهة (الأناضول-القوقاز) ضد الروس، وكانت الحرب سجالا بين الطرفين ويتبادلان النصر والهزيمة، والتقدم والتراجع.

 

في عام 1915 قام الروس بهجوم كبير احتلوا خلاله مناطق ومدن في شرق الأناضول، وكان يرافق هذا الجيش الروسي عشرات الآلاف من المسلحين الأرمن، الذين يحملون أحقادا تنوء بحملها الجبال ضد المسلمين عامة، والأتراك خاصة، وهذه الأحقاد والضغائن هي مزيج من التعصب الديني الأرثوذكسي ضد المسلمين، والتعصب القومي الأرمني ضد العنصر التركي، منذ أيام السلاجقة!

 

ارتكبت المليشيات الأرمنية المتحالفة مع الروس مذابح مهولة ضد المسلمين من الأتراك والأكراد، ذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمهجّرين، وشاركهم في هذه المذابح، الأرمن الذين كانوا يُعدّون من رعايا الدولة العثمانية ويعيشون في ظلها، فخانوا الأمانة وطعنوا الدولة طعنات غادرة من الداخل!

 

بعد شهور، انقلبت الموازين وقام العثمانيون بهجوم مضاد استردوا من خلاله الأراضي المحتلة بعد تقهقر الروس، ووجد الأرمن أنفسهم أمام مصيبة كبرى، وجاء وقت الحساب!

ولكن، وبالرغم من جرائم الأرمن، تصرفت الدولة العثمانية بطريقة حضارية يمليها الدين الإسلامي الحنيف، فقامت بتهجير الأرمن وتفريقهم على مناطق مختلفة من أراضي الدولة، حتى لا يشكلوا خنجرا في خاصرة الدولة مرة أخرى، كما قام الكثير من الأرمن بهجرات طوعية إلى الأراضي التي يسيطر عليها الروس، فيما تعرف اليوم بـ(جمهورية أرمينيا).

أما الآلاف من قتلى الأرمن فقد سقطوا في ميدان القتال، وليس بمذابح وحشية كما فعلوا هم بالمسلمين. لقد أسقط العثمانيون حلم (أرمينيا الكبرى)، وهذه جريمة لا تغتفر بالنسبة للغرب.

 

اليوم، يحمل الغرب (العلماني ظاهرا الصليبي باطنا) راية قضية (مذابح الأرمن)، ويلوحون بهذه الراية، بعد تزوير سير أحداثها وتقديمها بصورة معاكسة تماما للحقيقة. مع أنه توجد وثائق رسمية لدى كلا طرفي الصراع، الأتراك والروس، تثبت مسئولية الأرمن عما حدث.

يحمل هذه الراية خصوصا ثلاث دول: أمريكا وفرنسا وألمانيا. وهذا يذكرنا بالعاهرة (نرجو المعذرة) عندما تتكلم عن الشرف!

 

أمريكا التي أبادت الملايين من سكان البلاد الأصليين وأقامت حضارتها على أشلائهم وجماجمهم.

 أتدرون كم هي نسبة السكان الأصليين الذين يعرفون باسم (الهنود الحمر) اليوم في أمريكا؟ أقل من (1%)!

 

وفرنسا التي أبادت أكثر من مليون جزائري أثناء حرب الاستقلال، أي في عقدين من الزمان فقط. فكم ستكون المحصلة النهائية طوال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، أي من (1832 إلى 1962)؟!

 

وألمانيا التي تسببت في أكبر المجازر البشرية في تاريخ العالم: الحرب العالمية الأولى، حيث (20) مليون قتيل، والحرب العالمية الثانية حيث (60) مليون قتيل.

وبالمناسبة، بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت ألمانيا بدفع المليارات لليهود كتعويض لهم بسبب ما عرف بـ (الهولوكوست اليهودي)، ولم تدفع فلسا واحدا لسائر الشعوب الأوروبية، التي قتلت ألمانيا عشرات الملايين من أبنائها. هذه هي عدالة الغرب المنافق: التعويض حق لليهود فقط!

 

هذه حقيقة مذابح الأرمن، وهكذا يستخدم الغرب ملفات حقوق الإنسان: ليس لصالح بني الإنسان، ولكن حسب ما تمليه المصالح، وحسب ما تفرزه الأحقاد والضغائن.