قوموا اعوجاجها أو ألغوها

تاريخ النشر: 14 فبراير 2007م

 

بعد الأحداث الأليمة والدامية في لبنان، وقبلها ومعها في فلسطين والعراق، هل آن الأوان لئن نصرخ وننادي بأعلى صوتنا: عظم الله أجركم في الأمم المتحدة!

أم أن هناك بصيص أمل في أن تقوم هذه المنظمة الدولية العتيدة بواجباتها التي تأسست من أجلها؟

إن تاريخ الأمم المتحدة، وطبيعة تعاملها مع الأزمات الخطيرة التي عصفت بالعالم، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا المسلمين، تجعلنا نمضي قدما في الاستعداد لإعلان الوفاة، وإقامة سرادق العزاء! وذلك بعد حياة استمرت 60 سنة، حافلة بكل شيء عدا تحقيق الأمن والسلام والعدل!

 

شعار منظمة الأمم المتحدة

شعار منظمة الأمم المتحدة

 

في 25 يونيو 1945م أعلن عن المولود الجديد الذي يراد له أن يكون حمامة السلام في عالمنا المليء بالظلم والدمار والحروب، أو هكذا كانت الأماني.

أعلن في سان فرانسيسكو عن تأسيس منظمة الأمم المتحدة، تنفيذا لما اتفق عليه في مؤتمرات تمهيدية سابقة في واشنطن ويالتا، فقد دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عقد مؤتمر في سان فرانسيسكو لدراسة وإقرار ميثاق للأمم المتحدة، المنظمة التي أريد لها أن تكون خلفا ناجحا لعصبة الأمم التي تشكلت عام 1920م.

بلغ عدد الدول التي حضرت هذا المؤتمر والتي وقعت بالإجماع على ميثاق الأمم المتحدة 46 دولة، انضمت إليها فيما بعد خمس دول، وبذلك أصبح الموقعون 51 دولة، من ضمنها دول عربية هي السعودية، مصر، العراق، سوريا ولبنان. ومن الدول الإسلامية الأخرى: تركيا وإيران. وقد استغرق المؤتمر الفترة من 25 أبريل حتى 25 يونيو 1945م.

 

مقر منظمة الأمم المتحدة في أمريكا

مقر منظمة الأمم المتحدة في أمريكا

 

وقد لعبت الدول الكبرى الدور الرئيس في إعداد الميثاق والتصديق عليه، وهي التي جعلت لنفسها حق الاعتراض (النقض أو الفيتو) على أي مشروع لا يوافق هواها يعرض على الأمم المتحدة!!

هكذا إذن، وبسبب هذا الفيتو الشيطاني، ولد الجنين مشوها: المنظمة التي ستتكفل بتحقيق السلام والأمن العالميين ولدت وهي تحمل علامات الموت البطيء من أول يوم.

 

وبدأت المنظمة عملها، وبدأت علامات السيطرة الاستعمارية، خاصة الأمريكية واضحة لكل ذي عينين.

وكان العرب والمسلمون هم أكثر من عانى من قراراتها الجائرة والمنحازة إلى الطرف الآخر، وأكبر دليل على ذلك كيفية تعامل هذه المنظمة مع القضية الفلسطينية. ففي الثاني من أبريل عام 1947 طلبت بريطانيا، ولأجل إكساب المؤامرة وجها دوليا، طلبت من الأمم المتحدة إدراج قضية فلسطين ضمن جدول أعمال الجمعية العامة في دورتها السنوية.

شكلت الأمم المتحدة لجنة خاصة بفلسطين مكونة من أحد عشر عضوا انتهت إلى تقديم مشروع بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود!! وفي 27 نوفمبر 1947م فاز القرار المشئوم بالأغلبية بعد أن صوت لصالحه 33 صوتا، وضده 13 صوتا.

وكانت الدول التي نادت بالتقسيم هي الدول الصليبية الاستعمارية ومن يلوذ بكنفها. يومها قال الشيخ البشير الإيراهيمي رحمه الله معلقا على ما يجري في المنظمة الدولية: "هل يلام العرب والمسلمون من ورائهم، إذا اعتقدوا أنها حرب صليبية، بعض أسلحتها اليهود، وإنها ممالأة مكشوفة على الإسلام".

ويقول الكاتب الصهيوني (هورويتز) موضحا تلك الجريمة البشعة، والأساليب الدنيئة: "لقد هببنا جميعا للصراع، وعبرت مكالماتنا الهاتفية المحيطات لتتصل بالمسئولين في كل أنحاء العالم. وغمرنا بسيل من البرقيات كل المسئولين الذين يمكنهم مساعدتنا في كسب الأصوات، وأعطينا شيكات مفتوحة على بياض لكل من كان مترددا في تأييدنا..".

هكذا ركب اليهود هذه المنظمة (الدولية) لتحقيق أهدافهم، وهكذا كان موقف الأمم المتحدة من القضية الفلسطينية: بدلا من أن تطرد المجرم المغتصب من الدار، قالت لأصحاب الدار لكم النصف وللمجرم المغتصب النصف، سواء بسواء!!

 

واستمرت مآسينا مع الأمم المتحدة. فها هو بطرس غالي، الذي استبشر العرب وتغنوا بتعيينه أمينا عاما، هاهو يعلن في فترة ولايته في بداية التسعينيات أن قرار الأمم المتحدة رقم (242) الذي مضى ربع قرن على صدوره غير ملزم لإسرائيل!

وهاهو كوفي عنان يأبى إلا أن يؤكد على استمرار المأساة. فبعد أن أحرق الجزار المجرم شارون الأخضر واليابس، ويتّم الأطفال ورمّل النساء، هاهو كوفي عنان يرسل إليه رسالة (توبيخ). يا سلام! تمخضت الأمم المتحدة فولدت رسالة توبيخ!!

 

هذا بالنسبة لقضيتنا الأولى: فلسطين الجريحة. فماذا بالنسبة لسائر قضايا العرب والمسلمين؟

 

ها هم إخواننا في أفغانستان يذبحون والأمم المتحدة تلوذ بصمت تحسده عليه حتى الأموات!

ثم أليست الأمم المتحدة هي الغائب الأكبر في مآسي الصومال الممزق، والسودان الذي يراد تمزيقه، وكشمير الصابرة، والشيشان المغتصبة!

ثم الطامة الكبرى: احتلال العراق وتدميره ونشر الفتن المذهبية والعرقية فيه تحت سمع الأمم المتحدة وبصرها!

 

لقد جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة: "نحن شعوب الأمم المتحدة قد قطعنا على أنفسنا عهدا أن نجنب الأجيال القادمة ويلات الحرب، وأن نعمل على إيجاد تعاون اقتصادي واجتماعي بين دول العالم، بأسلوب يرتفع بمستويات الحياة الكريمة للجميع، ويحفظ السلم للجميع، ويفضّ المنازعات بالوسائل السلمية"..

واليوم، وبعد هذه السنوات الطويلة، لا نجد أمامنا إلا الواقع المرير، فقد شهد العالم في "عهد الأمم المتحدة" حوالي 150 حربا، نتج عنها خسائر بشرية تقدر بحوالي 24 مليون نسمة. كما شهد العالم استخدام مهزلة (الفيتو) أكثر من 80 مرة.

 

صحيح أن هناك نشاط مشكور للأمم المتحدة في بعض المجالات الإنسانية والتعليمية والصحية، وصحيح أن لها بعض النجاحات المحدودة، حققتها على الصعيد الدولي لكن أكثرها يصب في المصلحة المباشرة للدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة.

 

إن الحقيقة المرة هي أن هناك دول محدودة تهيمن على هذا العالم، متخذة من المنظمة الدولية مطية لتكريس هذه الهيمنة.

 

لقد ولد الجنين مشوها حاملا للعلل والأمراض من أول يوم. لقد بان ذلك في عام 1947م، واستمر الجنين يمشي على رجل واحدة، حتى أنهكه المرض بصورة واضحة وبدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة مع احتلال أفغانستان والعراق والصومال.. وأصبحنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن نعمل على إصلاح هذه المنظمة الدولية ونقوّم اعوجاجها، أو نعمل على إلغائها لتريح وتستريح!