ثورات الربيع العربي ولحظة مصارحة 3

تاريخ النشر: 28 نوفمبر 2017م

 

نختم الحديث عن المصير المظلم الذي آلت إليه ثورات الربيع العربي، ونكرر للمرة الثالثة: لا نقصد هنا الاستهانة بشعوب هذه الدول، ولا تجاهل التضحيات التي قدّمت، والدماء الطاهرة التي سالت.. أبدا. ولكن التاريخ أمانة في رقابنا جميعا.

 

ثالثا: الثورة الليبية

 

انتصر الثوار على الطاغية الذي حكمهم لمدة 42 سنة، فبعد كثير من التضحيات تمكنوا -بمعونة الغرب- من هزيمة كتائب القذافي.

انتصر الثوار على الطاغية، ولم ينتصروا على أنفسهم! نجح الثوار في إشعال الثورة، وفشلوا في إقامة الدولة!

 

بعد سبع سنوات من الثورة، لا زالت ليبيا تعيش في ظل فوضى عارمة، حيث لا أمن ولا أمان، ولا وحدة ولا اتحاد، وتعاقبت الحكومات، وتعددت الاستقالات والإقالات، والخائن الجبان خليفة حفتر يزداد قوة يوما بعد يوم.

 

وظهرت في ليبيا بدعة قديمة جديدة، ظهرت (المدن-الدول)، وهي الظاهرة التي عرفتها البشرية قبل آلاف السنين: مجلس شورى مجاهدي بنغازي، مجلس شورى مجاهدي درنة، ثوار مصراته، ثوار الزنتان، كتيبة ثوار طرابلس، ...

بدل أن ينطلق الثوار نحو المستقبل، رجعوا إلى الوراء آلاف السنين! ليتها لم تكن ثورة.

 

رابعا: الثورة السورية

 

تسببت الثورة السورية في مأساة هي الأكبر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية. كانت البداية جيدة، يوم لم نكن نسمع إلا عن (الجيش السوري الحر)، ثم بدأ التفريخ!

 

صحيح أن العالم بأسره تآمر على هذه الثورة المسكينة، وصحيح أن الدول العربية والإسلامية خذلت الشعب السوري وثورته، وصحيح أن المصائب الناتجة عن أفعال (داعش) و(القاعدة) لا تعد ولا تحصى، ولكن السبب الأول في فشل الثورة يعود إلى الثوار أنفسهم، بانقسامهم إلى مئات الفصائل والكتائب والجبهات والجيوش و...

 

انظروا إلى هذه الأسماء الطنانة الرنانة (على سبيل المثال لا الحصر): أحرار الشام، فيلق الشام، سرايا أهل الشام، جيش الإسلام، جيش المجاهدين، جيش الفتح، فيلق الرحمن، ألوية الفرقان، لواء شهداء الإسلام، جيش أحرار العشائر، جيش التوحيد، جبهة أنصار الإسلام، الجبهة الإسلامية، ألوية أحفاد الرسول، جبهة الأصالة والتنمية، لواء شهداء اليرموك، حركة نور الدين زنكي، جيش خالد بن الوليد، قوات شباب السنة، لواء درع الساحل، ...

 

وانشغل الثوار بالحرب حسب التقسيم التالي: 25% من الوقت والجهد لحرب النظام المجرم ومليشياته الطائفية، و75% لحرب بعضهم بعضا.. شيء أغرب من الخيال.

 

عندما قرر الثوار في فيتنام، إعلان الحرب ضد المستعمر الأمريكي، الذي كان يحتل النصف الجنوبي من فيتنام، أسسوا جيشهم الذي اشتهر باسم الـ(فيتكونغ)، وظل هذا الجيش يحارب الأمريكان منذ تأسيسه عام 1959، وحتى خروج آخر جندي أمريكي من البلاد عام 1973.

ظل الثوار طوال هذه المدة في جيش واحد، وتحت قيادة واحدة، وأهداف واضحة، حتى حققوا النصر. لماذا نجحوا وفشل ثوارنا؟!

 

وتحولت الثورة إلى (مؤتمرات رقمية): جنيف 1، جنيف 2، أستانا 1، أستانا 2، الرياض 1، الرياض 2، ...

وظهرت المنصات: منصة موسكو، منصة القاهرة، منصة المريخ!! وضاعت الثورة، وتاه الثوار.. يا لهفي على الشام.

 

خامسا: الثورة اليمنية

 

خرج الثوار من بيوتهم إلى الشوارع والميادين، وقدموا مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين. لماذا؟ لأجل الحرية والعدالة والمساواة، وللقضاء على مظاهر الظلم والسلب والنهب، وهي من سمات النظام الذي ثاروا عليه. فماذا جرى؟

وافق الثوار على المبادرة الخليجية، التي من مقتضياتها اقتسام السلطة لفترة انتقالية، ورجع الثوار إلى قواعدهم سالمين! ولسان حالهم يقول: "نصفه لنا، ونصفه لكم، والله خير الرازقين".. أهذه ثورة؟!

 

تنص المبادرة الخليجية -من ضمن أمور أخرى- على:
- تشكيل حكومة وفاق وطني بنسبة 50 في المائة لكل طرف!
- يستمر مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الطاغية على عبدالله صالح، في أداء عمله!
- منح الرئيس ومن عمل معه خلال فترة حكمه، الحصانة من الملاحقة القانونية والقضائية!
- يصبح نائب الرئيس (الذي قامت الثورة ضده) رئيسا للبلاد!
- وبعد الفترة الانتقالية، وبعد إعداد الدستور الجديد، تُجرى الانتخابات.

 

هذه أغرب ثورة في التاريخ المعاصر. ذهب الثوار (الطيبون) إلى بيوتهم، انتظارا للانتخابات التي -حتما- سيفوزون فيها! أما الطرف الآخر، فقد كان يصل الليل بالنهار ويعد الخطط لينقلب على المبادرة الخليجية.

وهكذا فعل: تحالف مع الحوثيين الهمج ومن ورائهم إيران. وها هي اليمن اليوم، تعاني مما تعاني منه ليبيا وسوريا.

 

ختامه مسك:

يقول الرئيس علي عزت بيغوفيتش رحمه الله: "لقد أثبت علم نفس الجماهير، كما أكدت الخبرة، أنه من الممكن التأثير على الناس من خلال التكرار الملح لإقناعهم بخرافات لا علاقة لها بالواقع".