ثورات الربيع العربي ولحظة مصارحة 2

تاريخ النشر: 19 نوفمبر 2017م

 

المقال السابق كان عن الثورة التونسية، وما آلت إليه هذه الثورة. اليوم نتكلم عن ثورة 25 يناير في مصر. ونكرر هنا ما قلناه من قبل: لا نقصد هنا الاستهانة بشعوب هذه الدول، ولا تجاهل التضحيات التي قدّمت، والدماء الطاهرة التي سالت.. أبدا. ولكن التاريخ أمانة في رقابنا جميعا.

 

ثانيا: الثورة المصرية

 

إنها ثورة عجيبة.. قامت من أجل الحرية والعدالة، فرجعت بمصر إلى الوراء مئات السنين!

 

بدأت إرهاصات الثورة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي! وبأيدي من قيل عنهم "شباب الثورة"، والكل قال إنهم من غير الإخوان.. أين ذهبوا؟!

الإخوان انتهوا إلى المذابح والسجون، والشباب الذين قيل أنهم أشعلوا الثورة غابوا تماما عن المشهد، كما غاب تماما بعد ذلك شباب حركة (تمرد)، الذين كان دورهم تمهيد الأجواء للانقلاب. هل كان المحرك وراء هؤلاء وأولئك واحدا؟!

 

استقال حسني مبارك، فظن (شباب) الثورة و(شيوخها) أن ثورة 25 يناير المجيدة قد انتصرت.. ولم ينتصر أحد إلا العسكر، ومن أمامهم الدولة العميقة بكل مقوماتها، ومن ورائهم القوى الإقليمية والدولية بكل إمكانياتها. لقد ضحّت الدولة العميقة بشخص واحد من أجل أن تستمر، ولم يفقه ذلك أحد من الثوار!

 

ثم إن الذي استمر متحكما في الأمور هو المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي. أصبح الرجل الثاني في النظام هو قائد الركب في زمن الثورة! وهكذا حصل أعداء الثورة على كل الوقت اللازم لإعداد العدة للقضاء على الثورة.

 

واستمرت سياسة إغواء الثوار وإلهائهم بمكاسب مؤقتة، وإن كانت حقيقية.

جاءت انتخابات مجلس النواب، ومجلس الشورى، والانتخابات الرئاسية، والاستفتاء على الدستور.. جاءت كل هذه الانتصارات لترسخ (نشوة النصر) لدى الثوار، خاصة الإخوان، فظن الجميع إن النظام القديم قد زال، وإن النظام الجديد قد بدأ، مع أن عشرات الشواهد كانت تدل على عكس ذلك، ولكنها نشوة الانتصار.

كانت تلك انتصارات مؤقتة، ولكن المشكلة أن الثوار لم يدركوا أنها (مؤقتة)!

 

سمح أعداء الثورة للإخوان بأن يحققوا انتصارات، لأن لهم شعبية قوية.

علِم الأعداء بأن الإخوان بإمكانهم تحقيق انتصارات، ولكنهم علموا أيضا أن ليس بإمكان الإخوان المحافظة على هذه الانتصارات! لأنهم ببساطة، لا يملكون أي من عناصر القوة.. لا قوة الجيش والشرطة والمخابرات، ولا قوة الشعب.. الشعب الذي سيصوت بغالبية بسيطة للإخوان في وقت الرخاء، ولكن لن تبقى الأمور هكذا في وقت الشدة: وقت الذبح والسحل والضرب والاعتقال والتعذيب والاختفاء القسري!

 

كل الدلائل كانت تشير أن الوصول للحكم والتمكن منه خط أحمر غير مسموح به للإسلاميين.

ماذا فعل عسكر الجزائر المدعوم من الغرب بالشعب الجزائري عندما صوّت للإسلاميين؟

وماذا فعل ويفعل الغرب والشرق بحركة حماس وبأهل غزة منذ نجاح حماس في انتخابات 2006؟!

لكن الإخوان لم يقرؤوا الواقع المحلي والإقليمي والدولي قراءة واعية صحيحة.

العالم يخوض حربا عالمية ضد الإخوان منذ عام 1948، حين عقد اجتماع (فايد) في منطقة القناة بين سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ولكن الإخوان تناسوا كل ذلك.

 

بدأ تمهيد الجو للانقلاب عن طريق إحداث كمّ هائل من البلبلة الداخلية.. أسسوا جبهة الإنقاذ (أو الخراب) ووضعوا فيها كل متردية ونطيحة، وأسسوا حركة تمرد برئاسة مجموعة من السكارى والحشاشين!

لم يكن الهدف منهم مقارعة الإخوان في شعبيتهم، فلم يكونوا ندّا للإخوان في هذا المجال، بل كان الهدف إشعال الساحة المصرية بالفتن والقلاقل، والقيام بأعمال العصيان والحرق والتدمير ثم.. دعوة الجيش للتدخل بحجة إعادة الأمن والمحافظة على البلد! فكان الانقلاب.

 

لقد تقدم الإسلاميون لموقع الحكم ولم يكونوا مستعدين لذلك، ولم يكن الشعب كذلك مستعدا لِأن يحكمه الإسلاميون!

 

وبدأت المحنة من جديد. انسحبت جموع الشعب من الميادين إلا القليل، وانتهت صلاحية جبهة الإنقاذ وحركة تمرد بعد إنجاز المهمة.. وبقي الإخوان وغيرهم من المخلصين والشرفاء.. فكانت ملحمة (رابعة)! وهذا ما يبرع فيه الإسلاميون، خصوصا الإخوان أكثر من غيرهم: الملاحم.

كانت (ملحمة) 2013 نسخة مكررة من (ملحمة) 1954، ولكن بشراسة أكبر بكثير.

 

اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر ... ضلّ قومٌ ليس يدرون الخبر

 

***
المقال القادم بإذن الله عن ثورات ليبيا وسوريا واليمن.