الحرب العالمية على الإخوان.. القصة الكاملة

تاريخ النشر: 27 أكتوبر 2014م

 

التحالف الدولي الحالي ضد (داعش) مجرد نكتة سخيفة، ولن تستطيع أن تبعد الأنظار عن الحرب الحقيقية: التحالف الدولي الاستعماري ضد الإخوان المسلمين، هذا التحالف المكون من القوى الاستعمارية الغربية، وبعض (توابعها) من القوى المحلية العربية.

 

الغرب يخوض حربا حقيقية ضد الإخوان منذ أمد بعيد، ولكن أشد المعارك دموية هي التي وقعت بعد أحداث الربيع العربي.. فما هي القصة بالضبط؟

 

مع نهايات عقد الأربعينيات من القرن الميلادي العشرين، كان الإخوان في مصر قد بلغوا من القوة والانتشار والتمكين شأنا عظيما. ففي عام 1948م وصل عدد شعب (فروع) الإخوان حوالي ألفي شعبة، وبلغ عدد الأعضاء حوالي نصف مليون، ونصف مليون آخر من المؤيدين والمتعاطفين، وبلغ عدد جوالة (كشافة) الإخوان حوالي 75 ألف جوال، وامتلك الإخوان الكثير من المؤسسات التجارية والصناعية والإعلامية والخدمية: جمعيات نفع عام، شركات، مصانع، مناجم، دور طباعة ونشر، مستوصفات.. إلخ.

 

كما خاض الإخوان حربا جهادية شرسة ضد المغتصبين الصهاينة في فلسطين، وقاموا ببطولات عجزت عن مثلها الجيوش الرسمية العربية.

وبدأت دعوة الإخوان تنتشر خارج القطر المصري، في السودان وفلسطين وسوريا والأردن والعراق واليمن وغيرها.

أصبحت دعوة الإخوان هي خيار الجماهير العربية، التي تريد الفكاك من الاستعمار الخارجي و(الاستحمار) الداخلي، وأصبحت كل الشواهد تدل على أن المستقبل للإسلام، بقيادة الإخوان.

 

كان الاستعمار الغربي يراقب الوضع باهتمام وقلق شديدين.. حاول الإنجليز رشوة الإمام حسن البنا بالمال فما أفلحوا.. حاولوا ممارسة الضغط السياسي والأمني عن طريق الملك فاروق وأزلامه فما زاد الإخوان إلا قوة وصلابة.. حاولوا إلهاء الإخوان بالمعارك الحزبية الجانبية مع حزب الوفد وغيره من أحزاب الباشوات فما أفادهم ذلك شيئا.

 

إذن، لا بد من إجراء صارم ينهي عملية استيقاظ المارد الإسلامي..

في العاشر من نوفمبر 1948م، وفي مدينة (فايد) في محافظة الإسماعيلية، حيث قيادة الجيش الاستعماري البريطاني، عقد اجتماع هام وخطير، حضره سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا بالقاهرة، لمناقشة التصدي لحركة الإخوان، نتج عنه اتخاذ السفارة البريطانية في القاهرة الخطوات اللازمة لحلّ جمعية الإخوان المسلمين.

وقد تأكد خبر هذا الاجتماع بعد عشرة أيام، في 20 نوفمبر، حيث صدرت وثيقة من قيادة القوات البريطانية في الشرق الأوسط بتوقيع كولونيل (أ.م. ماك درموت) فحواها أن "القيادة المذكورة قد أخطرت رسميا من سفارة صاحب الجلالة في القاهرة بأن خطوات دبلوماسية ستتخذ لإقناع السلطات المصرية بحل جمعية الإخوان المسلمين في أقرب وقت مستطاع".

الوثيقة تكلمت عن (خطوات دبلوماسية)، ولكنها في حقيقة الأمر كانت (أوامر استعمارية).. لقد بدأت الحرب العالمية الاستعمارية ضد الإخوان المسلمين ومشروعهم لنهضة الأمة.

 

بعد أقل من شهر من اجتماع (فايد)، وفي يوم 8 ديسمبر 1948م، صدر الأمر العسكري رقم (63) لسنة 1948م بحل جمعية الإخوان المسلمين. وبعد حوالي شهرين من قرار الحل، تحديدا في 12 فبراير 1949م استشهد الإمام البنا رحمه الله.. قتلوا مجدد الإسلام وباعث نهضة المسلمين في العصر الحديث بدم بارد وبتخطيط متقن، بسواعد محلية عميلة، وبأوامر من سفراء الغرب الصليبي.

ندع الشهيد سيد قطب رحمه الله يتكلم عن هذه الحادثة، كما ورد في كتيب (لماذا أعدموني، ص11): "لم أكن أعرف إلا القليل عن الإخوان المسلمين، إلى أن سافرت إلى أمريكا في ربيع 1948م في بعثة لوزارة المعارف (كما كان اسمها في ذلك الحين)، وقد قتل الشهيد حسن البنا، وأنا هناك في عام 1949م، وقد لفت نظري بشدة ما أبدته الصحف الأمريكية، وكذلك الإنجليزية، التي كانت تصل إلى أمريكا، من اهتمام بالغ بالإخوان، ومن شماتة وراحة واضحة في حل جماعتهم وضربها وفي قتل مرشدها، ومن حديث عن خطر هذه الجماعة على مصالح الغرب في المنطقة".

 

استبدل الغرب النظام الطاغوتي الملكي بنظام طاغوتي جمهوري! واستؤنفت الحرب على الإخوان في عهد عبد الناصر ابتداء من عام 1954م، وبتخطيط دقيق من الأمريكان.

وقد تولى هذه المهمة تحديدا كل من (كيرميت روزفيلت) مسئول الـمخابرات الأمريكية (CIA) في الشرق الأوسط، وتابعه (مايلز كوبلاند) ممثل الـ(CIA) في مصر في الفترة من 1953-1955م، وكوبلاند هذا هو صاحب فكرة مسرحية (المنشية) لاغتيال عبد الناصر، والتي اتخذها الأخير ذريعة لتصفية الإخوان..

وعُلق قادة الإخوان على المشانق، وتعرض الآلاف منهم للسجن والتعذيب، وأزهقت الأرواح الطاهرة البريئة في الأعوام 1954م/1957م/1966م. لقد ظن الجميع، إلا من رحم ربي، أن دعوة الإخوان قد انتهت.

 

هلك الطاغية في 1970م، وخلَفه آخر! جاء أنور السادات وهو في وضع حرج نتيجة للمنافسة من قبل بعض مراكز القوى، فأراد أن يستفيد من شعبية الإخوان فأخرجهم من السجون.

ولكن الإخوان لم يكن همهم التمكين للسادات أو غيره، بل إعادة الحياة لدعوة الإخوان، فما هي إلا سنوات معدودة وإذا بالمعجزة تتحقق: لم يمت الإخوان، ولم تنتهي الدعوة.. إنها موجودة في القلوب والعقول.. وعاد الإخوان.. وتجددت المعارك ضدهم.

مات السادات وفي سجنه الآلاف من المعتقلين، الذين أطلق هو سراحهم قبل سنوات.

 

وواصل حسني مبارك حربه الشرسة ضد الإخوان، بالوكالة عن أمريكا. وطوال هذه الفترة لم تتوقف الحرب ضد الإخوان في الدول الأخرى، فقد تعدد الطواغيت في ديار العرب (حتى لا تقولوا بأن العرب لا يؤمنون بالتعددية!).. وقام القادة الأشاوس بالمهمة بكل تفان وإخلاص: الحبيب بورقيبة، زين العابدين بن علي، معمر القذافي، حافظ الأسد، عبد الكريم قاسم، صدام حسين.. إلخ.

في سوريا مثلا، صدر في عام 1980م القانون رقم (49)، والقاضي بإعدام كل من ينتمي للإخوان بدون محاكمة! وارتكب المجرم حافظ الأسد مجزرة (حماه) في عام 1982م، والتي ذهب ضحيتها ثلاثون ألفا من الأبرياء، منهم الآلاف من الإخوان وأسرهم.

ومثال آخر من فلسطين، حيث شنت إسرائيل ثلاثة حروب دموية ضد غزة في الأعوام 2008م/2012م/2014م، لهدف أساسي واحد: إسقاط حماس (إخوان فلسطين).

 

ثم وقعت أحداث جسام على المستوى العالمي، كانت كفيلة بأن تزيد الحرب اشتعالا، الحرب على الأمة الإسلامية عامة، والإخوان خاصة، باعتبارهم يشكلون العمود الفقري في التصدي للهجمة الغربية الاستعمارية الجديدة.

سقط الاتحاد السوفييتي والمنظومة الشيوعية في 1988-1990م، وبدأ قادة الغرب من ساسة ومفكرين يتكلمون عن التفرغ للعدو الحقيقي: الإسلام، وبدأ الترويج للشرق الأوسط الجديد، الذي لا يعدوا أن يكون نسخة جديدة من اتفاقية (سايكس بيكو)، التي كرست الشرق الأوسط (موديل 1916م) ثم بدأ الحديث عن (الفوضى الخلاقة)، أي الفوضى الكفيلة بخلق وضع جديد، غاية في التمزق والاضطراب، خدمة لمصالح الغرب وإسرائيل، وبأسرع ما يمكن، قبل أن تفقد أمريكا صفة (القطب الأوحد) بعد ظهور مؤشرات على عودة روسيا إلى مركز (أول مكرر) مع أمريكا، خاصة بعد أحداث أوكرانيا.

 

ثم جاءت أحداث الربيع العربي، لتتأكد مخاوف الغرب الصليبي المتصهين: لا خيار للجماهير العربية الثائرة سوى الإخوان.

إذن لا بد من ضربات أخرى ضد الإخوان، تكون غاية في العنف والدموية، حتى لا تقوم للإخوان قائمة، وحتى لا تنصرف إليهم الجماهير، باعتبار أن (الغرب لن يسمح لهم بالحكم)!

 

تكررت المآسي: عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمعوقين والمعتقلين من الإخوان ومؤيديهم في سجون عسكر مصر، ومحاولات تخريب الثورة الليبية على قدم وساق، والتآمر (اللين) على الثورة التونسية، والتآمر الصريح على الثورة السورية والعراقية، والآن: جاء دور إخوان اليمن.

 

إنها المعركة الأزلية بين الحق والباطل، وديننا يعلمنا أن النصر للحق، متى استحق أهل الحق هذا النصر.

أما حسن البنا فلم يخسر شيئا لسببين: كان يتمنى الشهادة فنالها، رحمه الله.. وانتشرت دعوته في آفاق الأرض، فحيثما يوجد مسلمون، يوجد من بينهم إخوان مسلمون.