جمعية الوفاق والصعود إلى أسفل

تاريخ النشر: 10 فبراير 2007م

* كـُتب المقال متزامنا مع الانتخابات النيابية البلدية 2006م

 

آفتان خطيرتان ابتليت بهما مجتمعاتنا العربية والإسلامية المعاصرة: التشتت الفكري، الذي ترك آثارا سلبية خطيرة على وحدة الصف الإسلامي، والوعي الديني المنقوص، الذي ساهم بفعالية في تكريس التطرف المذهبي، والممارسات الطائفية.

لقد كان بالإمكان أن تبقى ظاهرة التنوع المذهبي في إطارها التاريخي والفكري المقبول لدى عموم المسلمين، بحيث لا تؤدي إلى تمزق المجتمعات الإسلامية وبذر الأحقاد والضغائن، لولا أن ممارسات كثير من المسلمين، بمن فيهم أبناء بعض التيارات الإسلامية، تساهم في تقوية ظاهرة الانتماء الطائفي على حساب الانتماء إلى الدين الإسلامي العظيم الذي بإمكانه أن يستوعب تاريخيا "الزمان كله".. وجغرافيا "المكان كله"!

إن التصدي لقضية هامة وخطيرة مثل قضية "الوحدة الوطنية" تستدعي التحلي بالإخلاص التام لهذه القضية، والجدية في العمل لها ومن أجلها، والرغبة الصادقة المنبعثة من قلب صادق يستشعر المسئولية، وموافقة القول العمل، والنفسية السوية البعيدة عن المصالح الشخصية أو الطائفية والمكاسب السياسية الفئوية و طلب تكريس الزعامة في الطائفة!

 

مع العرس الانتخابي الذي تشهده المملكة هذه الأيام، وما صاحب ذلك من طرح للمئات من اللافتات الانتخابية، كان من ضمن شعارات (البروباغندا) البراقة لـ "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية" تلك المتعلقة بالوحدة الوطنية، والسعي لمحاربة الطائفية في البلد، وقرأنا كلاما جميلا حالما في الجرائد عن (التضحيات الجسام) التي قدمتها الوفاق بسحب بعض مرشحيها لصالح "الوحدة الوطنية".. وكمثال لذلك سحب مرشحها من إحدى دوائر المحرق لصالح المرشح (اليساري الليبرالي الوطني الثوري الوحدوي!!)، وكذلك تأييد المرشحة (اليسارية الليبرالية الوطنية الثورية الوحدوية!!) في إحدى دوائر الوسطى.

 

إن من أعجب العجب أن تسعى الوفاق لتكريس نهج ظاهره الرحمة، وباطنه من قبله العذاب! فتتظاهر بالعمل من أجل "الوحدة" من خلال شق صفوف الطائفة الأخرى! وتنادي بالعمل من أجل تكريس الوئام والتعاون ولكن من خلال تجميع أصوات "المؤمنين" وتشتيت أصوات "الآخرين".. وبالمناسبة، ولعلم الوفاق، سواء قواعدهم الجماهيرية، أو معمميهم "مدّ ظلهم الوارف" فإنه حتى العجائز والصبيان من الطائفة الأخرى أصبحوا يدركون تماما ماذا ومن المقصود بـ "المؤمنون" و"الكتلة الإيمانية"!

إنها لمعركة خاسرة يا جمعية الوفاق أن تسعي لإثارة عداء أكبر الجمعيات السنّية وأكثرها جماهيرية، وإنه لمنزلق خطير أن تسعي لاستثارة الغالبية العظمى من أهل الستة والجماعة بسلوك هذا النهج المشبّع حتى النخاع بـ "التقية السياسية"!

 

لقد ارتقى الشيخ علي سلمان مرتقى صعبا بإعلانه الحرب ضد أبناء السنة عامة، والمنبر الوطني الإسلامي خاصة، وبوضعه نفسه في "خندق واحد" مع من يعتبر المنهج الإسلامي تخلفا ورجعية وظلامية!

هذا في الوقت الذي يسعى فيه جاهدا أن يتحلى مرشحو جمعيته بالالتزام بالمنهج الإسلامي وبتزكية "أصحاب الفضيلة"!!

إن ممارسة هذه الازدواجية لا تزيد الطين إلاّ بلّة.. وما هذا إلا مثال واحد من أمثلة كثيرة تبين لنا هذه الازدواجية التي تمارسها الوفاق، هذه السياسة النابعة من الحرص الشديد على مصالح "الصف المؤمن" فقط!! فها هي الوفاق تشعل الساحة بكاء وعويلا عند ما أثيرت قضية بيع الأراضي في المحرق وما ارتبط بذلك من تدخلات أجنبية، داعية إلى التريث وإظهار الأدلة القاطعة.. ثم هي "تدوس" على هذا التريث والأدلة القاطعة عند ما يتعلق الأمر بتقرير مزعوم لا أحد يعلم ما هي خلفياته الحقيقية.

 

ختاما، فإن جمعية الوفاق بحملها للراية بالمقلوب! وبإتباعها لهذه السياسة (الوطنية) ظاهرا وإعلاميا.. و(الطائفية) روحا وباطنا، ولممارستها لسياسة القمع والإقصاء، الذي لم ينجوا منه حتى بعض التيارات "المؤمنة"!.. أقول بأن الوفاق لن تصل أبدا إلى القمة، فالوصول إلى القمة يستلزم الصعود وليس الهبوط!