إنهم أحذية السلاطين

تاريخ النشر: 13 مايو 2014م

 

يسميهم البعض (علماء السلاطين)، ونحن نرفض هذه التسمية، إذ ننزه العلم الشريف من أن يلصق بهذه الفئة من البشر..

ويسميهم البعض الآخر (أذناب السلاطين)، ونتحفظ أيضا على هذه التسمية، فالذنب ملاصق للجسد، وهو يتبع صاحبه دائما أينما ذهب..

ولكن نسميهم (أحذية السلاطين)، فالحذاء يُلبس أو يُخلع حسب الحاجة، وقد يُستعمل لسنوات طويلة قبل أن يُرمى في الزبالة.

 

هم موجودون منذ قرون، ومهمتهم الأساسية توفير الغطاء الديني والشرعية السياسية للحاكم، أي حاكم، سواء كان صالحا أم طاغية، مخلصا أم عميلا. وسواء وصل للحكم بالشورى أم بالدماء، بالانتخاب أم بالانقلاب.

هم تحت الطلب دائما، ويوفرون خدمة 24 ساعة يوميا، 7 أيام في الأسبوع. وهم أول من يبايع الحاكم، وكذلك أول من يبايع الذي ينقلب على الحاكم!

من شعاراتهم المفضلة: لا تنصح الحاكم جهرا، بل سرا! ومن الأفضل ألا تنصح، فالحاكم أعلم بالله منك، وأعلم بالسياسة منك ومن أشكالك!

 

وكما أن هناك أناس جعلوا من (المعمم) نصف إله فقالوا (الولي الفقيه).. فكذلك هؤلاء جعلوا من الحاكم (نصف إله).. مهما فعل هذا الحاكم: سفك، دمر، اغتصب، نهب، سلم البلاد والعباد للأمريكان.. لا يهم، المهم أنه الحاكم.

 

بعض من هؤلاء يحرم على الرعية أن تعاتب الحاكم، مع أن الله سبحانه وتعالى عاتب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الخلق فقال: {عَفا اللهُ عنكَ لِمَ أذِنتَ لهُم حتى يَتَبَين لَكَ الذينَ صَدَقوا وتَعْلَمَ الكاذِبين}. (التوبة: 43)

 وقال تعالى: {يا أيّها النبيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللهُ لَكَ تبتغي مرضاتَ أزواجك واللهُ غفورٌ رحيم}. (التحريم: 1)

تصوروا! سيد العالمين يُعاتب علنا في كتاب يتلى إلى يوم القيامة، والحاكم لا يُعاتب! يا له من فكر سقيم.

أحذية السلاطين ينهون الشعوب المظلومة أن تحاسب حكامها، مع أن خير حكام البشر، وهم الخلفاء الراشدون كانوا دائما عرضة للنصح والعتاب والمحاسبة.

 

قال ابن القيم في (إعلام الموقعين عن رب العالمين 2/123): "خطب عمر بن الخطاب يوما وعليه ثوبان، فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان: لا نسمع، فقال عمر: ولم يا أبا عبد الله؟ قال: إنك قسمت علينا ثوبا ثوبا وعليك ثوبان، فقال: لا تعجل.. يا عبد الله، يا عبد الله، فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد الله بن عمر، فقال: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: نشدتك الله الثوب الذي ائتزرت به أهو ثوبك؟ قال: نعم، اللهم نعم، فقال سلمان: أما الآن فقل نسمع".

وذكر القصة أيضا مع اختلاف بسيط في الألفاظ كل من ابن قتيبة الدينوري في (عيون الأخبار 1/118)، وابن الجوزي في صفة الصفوة (1/203).

 

فاروق الإسلام يُحاسب على الملأ في المسجد، وأحذية السلاطين ينهوننا حتى عن الهمس في آذان الحكام! يا له من فكر منحرف، ويا له من حرص على المتاع الزائل.

نوجه نداء حارا إلى العلماء العاملين، والفقهاء المخلصين بأن يتنبهوا لهذه الآفة، وأن يُخَلـِّصوا علم السياسة الشرعية والفقه السياسي الإسلامي من هذا الانحراف الخطير.