المؤامرة الكبرى

تاريخ النشر: 29 مارس 2014م

 

يجب التعامل مع (نظرية المؤامرة) تعاملا وسطيا لا إفراط فيه ولا تفريط. ليس كل المصائب التي تنهال على رؤوسنا مصدرها الخارج، ولكن في نفس الوقت، لم ولن تنقطع مؤامرات أعداء الأمة إلى قيام الساعة.

 

لن يستطيع الأعداء تمرير هذه المكائد والمؤامرات إلا بوجود عوامل ضعف داخلية نعيشها ونعاني منها، وهذا ما قصده الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عندما تكلم عن (كيد الخارج وعجز الداخل)، وقبله مالك بن نبي رحمه الله عندما تكلم عن (القابلية للاستعمار).

 

كيف تحولت أحداث الربيع العربي من فرص إيجابية للشعوب العربية المسلمة إلى فرص شيطانية لأصحاب المشروعين الأمريكي والإيراني؟!

 

إنها المشكلة ذاتها: العدو المتربص يستغل الحدث لحرفه تجاه مصالحه، وأهل السنة في غفلتهم سادرون..

لقد تحول الحدث الإيجابي المفترض إلى فرصة ذهبية لأعدائنا لفرض واقع خطير جدا على أهل السنة، واقع لم يكن بالإمكان فرضه بهذه الخطورة من قبل. هكذا جرت الأحداث:
دفع الحراك الناتج عن أحداث الربيع العربي منذ عام 2011م بالإسلاميين إلى الواجهة، من إخوان وغيرهم..
الإسلاميون هم العدو التقليدي لأمريكا وللأنظمة العربية المتهالكة، وهذا ما جعل الأجهزة السياسية والاستخباراتية لدى الطرفين تنسق معا لضرب التوجه الإسلامي عموما..
اتخذت هذه الأجهزة من مصر رأس حربة للقضاء على تطلعات الشعوب العربية، فتم تأجيل عملية الانقلاب حتى يتم أولا استدراج الإخوان إلى الواجهة لكي يتصدروا المشهد باختيار حر من الشعب. وعندما تم ذلك..
بدأت الدولة العميقة في العمل لخلق جو يسوده الاضطراب ويعلوه الضباب حتى تنعدم فيه الرؤية!
قام العسكر (وعسكر مصر مؤسسة أمريكية قلبا وقالبا) بانقلابهم الدموي في هذا الجو الذي يسوده القلق والانقسام، وبدأت بعض الدول الخليجية تعلن مشاركتها العلنية في حرب الإسلاميين عن طريق الدعم السياسي والإعلامي والمالي المباشر للانقلاب..
امتدت خيوط التآمر إلى خارج مصر، لتشمل تونس وليبيا وسوريا واليمن، بل وامتد ليشمل الإسلاميين في الخليج العربي، بدءا بالإخوان وسيأتي الدور على غيرهم.

 

ولنلق نظرة شاملة الآن على المشهد السياسي العربي والخليجي الناتج عما سبق:
1) دخلت بعض الأنظمة الخليجية والعربية في حرب مباشرة ومعلنة على جماعة الإخوان، وأصبحت هذه الحرب هي الشغل الشاغل لهذه الأنظمة..
2) جُيّرت الأجهزة الإعلامية الرهيبة.. ودُفع للكُتّاب المرتزقة.. وأُمر فقهاء السلاطين.. واستخدمت أموال الشعب الخليجي المسكين في هذه الحرب، التي هي أولا وأخيرا، حرب على قطاع مهم من أهل السنة..
3) تم صرف الأنظار تماما عن كل المشاكل السياسية الكبرى التي يعاني منها العرب وأهل السنة في المنطقة، فلم يعد أحد يتحدث عن احتلال فلسطين، والقدس الأسير، ومعاناة الشعب الفلسطيني، باستثناء الكلمات الجوفاء التي تُلقى في المؤتمرات. العمل يجري الآن بكل همة ونشاط لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، إذ لم يعد الصهاينة هم العدو اللدود، بل الإخوان!
4) ولم يعد أحد يتحدث عن مأساة أهلنا في العراق وسوريا إلا على استحياء شديد..
5) ولم تعد إيران (شعوبية صفوية)، بل (جارة مسلمة) لها ما لنا وعليها ما علينا! ولا يجري الحديث عن جزر عربية تحتلها إيران، ولم يعد الحوثيون مصدر خطر، ولم يعد فيلق القدس يشكل تهديدا، فكل شيء مسخّر لحرب الإسلاميين السنة..
6) وحتى يتم إتقان الإخراج الفني لهذه المؤامرة، جرى استخدام شيء من المكياج للإمعان في خداع الشعوب، فتم (السماح) لأجهزة الإعلام الرسمية في مصر وبعض دول الخليج العربي لإطلاق السباب والشتائم ضد أمريكا، وذلك من أجل خلق واقع كاذب مفاده (أمريكا تتآمر علينا ونحن نتصدى لها ولعملائها من الإخوان)! ولكن الحقيقة التي تعلمناها على مدى السنوات الطويلة الماضية هي أن (أكثرهم شتما لأمريكا هم أشدهم عمالة لها)! كيف يتصدون لأمريكا ولا زالت دولنا عامرة بالقواعد الأمريكية البرية والبحرية والجوية العلنية والسرية، ولا تزداد هذه القواعد على مر الأيام إلا عزا وتمكينا؟!

 

هكذا إذن وضحت بعض خيوط المؤامرة.. لقد تم خلق جو مناسب من أجل:
1) تصفية كل ما لم يتمكنوا من تصفيته على مدى العقود الماضية، وخاصة القضية الفلسطينية، وجماعة الإخوان..
2) والتمكين والشرعنة في المنطقة لكل عدو للأمة، خاصة الصهيونية والصفوية.