سطور في فقه الواقع

تاريخ النشر: 7 يناير 2013م

 

تعريف

يقول الشيخ ناصر العمر في تعريفه لفقه الواقع: "هو علم يبحث في فقه الأحوال المعاصرة، من العوامل المؤثرة في المجتمعات، والقوى المهيمنة على الدول، والأفكار الموجَّهة لزعزعة العقيدة، والسبل المشروعة لحماية الأمة ورقيها في الحاضر والمستقبل".

ويستخدم العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي في هذا الشأن مسمى (الثقافة الواقعية)، فيقول في التعريف بأهميتها: "الثقافة المستمدة من واقع الحياة الحاضرة،وما يدور به الفلك في دنيا الناس الآن، في داخل العالم الإسلامي وفي خارجه، فلا يكفي الداعية أن يكون قد حصل العلوم الإسلامية وجال في مراجع الأدب واللغة والتاريخ، وأخذ بحظه من العلوم الإنسانية ومن العلوم التجريبية، ولكنه مع هذا كله لا يعرف عالمه الذي يعيش فيه، وما يقوم عليه من نظم، وما يسوده من مذاهب، وما يحركه من عوامل، وما يصطرع فيه من قوى، وما يجري فيه من تيارات، وما يعاني أهله من متاعب، وبخاصة وطنه الإسلامي الكبير من المحيط إلى المحيط، بآلامه وآماله، وأفراحه ومآسيه، ومصادر قوته، وعوامل ضعفه، وبعد ذلك وطنه الصغير وبيئته المحلية وما يسودها من أوضاع وتقاليد، وما تقاسيه من صراعات ومشكلات، وما يشغل أهلها من قضايا وأفكار".

 

علم أصيل

يؤكد الشيخ ناصر العمر على أن أساس هذا العلم موجود في القرآن والسنة. يقول تعالى: {وكذلك نفصـّل الآياتِ ولتـَستـَبيـَنَ سبيلُ المُجرمين} (الأنعام:55). ومن فقه الواقع: استبانة سبيل المجرمين، ومعرفة أهدافهم ومخططاتهم.

ومن أقوى الأدلة على عناية الكتاب والسنة بفقه الواقع قصة الحرب بين فارس والروم، عندما حزن المسلمون لانتصار الفرس المجوس على الروم من أهل الكتاب. يقول تعالى: {ألم ۞ غـُلـِبَـتِ الرُّومُ ۞ في أدنى الأرضِ وَهـُمْ مِن بَـعْدِ غـَلـَبـِهـِمْ سـَيـَغلـِبُون ۞ في بـِضع سنينَ للهِ الأمرُ مِن قبلُ ومِن بعدُ ويومَئِذٍ يَفرحُ المؤمنون ۞ بـِنصر اللهِ يَنصُرُ مَن يَشاءُ وهو العزيزُ الرحيم} (الروم:1-5).
وإذا كان من المفرح انتصار أقرب الفريقين إلى الحق، أي انتصار أهل الكتاب على المجوس، فإنه من المفرح أكثر أن هذا الموقف يتضمن انتصارا قريبا -إذن- للمسلمين على أهل الكتاب.

وقد وجّه الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته بالهجرة إلى الحبشة تحديدا وقال: "إن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد".

وهذا يدل على معرفته عليه الصلاة والسلام بما يدور حوله وأحوال الأمم المعاصرة له.

 

مجالات فقه الواقع

يستعرض العلاّمة القرضاوي جوانب ومجالات فقه الواقع على النحو التالي:

واقع العالم الإسلامي، واقع القوى العالمية المعادية للإسلام، واقع الأديان المعاصرة، واقع المذاهب السياسية المعاصرة، واقع الحركات الإسلامية المعاصرة، واقع التيارات الفكرية المعارضة للإسلام، واقع الفرق المنشقة عن الإسلام، واقع البيئة المحلية.

 

مستلزمات الفقه السليم للواقع

يدلنا الكاتب الجزائري الأستاذ جمال زواري على هذه المستلزمات:

1) المتابعة المستمرة والمبصرة، والإلمام بمكونات الواقع ومستجدّاته المتتالية.

2) المرونة، وذلك بانسجام الأفكار والأقوال والأفعال والمواقف مع ما تقتضيه المرحلة، من غير تجاوز للضوابط الشرعية ، ولا مصادمة للحقائق الواقعية.

3) سعة الأفق وبعد النظر، والتقدير الصائب للإحداث وتحليلها وتقييمها.

4) التحلّي بالحكمة، وهي: (فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي).

5) ألمعية الذهن وسرعة البديهة، وذلك بالابتعاد عن العقلية التي اشتكى منها الشاعر:

أقول له عمرا فيسمع خالدا...
ويقرؤها زيدا ويكتبها بكرا

فاللبيب تكفيه الإشارة ، وتغنيه العبارة.

6) الموازنة والقياس والتمحيص والتنقيح والغربلة والتصفية، عملا بنصيحة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لتلميذه ابن القيم: (لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها لا ينضج إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها، صار مقرا للشبهات).

7) دراسة التجارب بأنواعها، دراسة نقدية بناءة، لتجنب العثرات، واستثمار الإيجابيات، وقد صدق الرافعي رحمه الله لما قال: (إذا أردت أن تأخذ الصواب ، فخذه عمّن أخطأ).

8) معاشرة الآخرين على أحسن ما معهم، أشار إلى هذه القاعدة الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله: (والبصير الصادق من يضرب في كل غنيمة بسهم، ويعاشر كل طائفة على أحسن ما معها).

9) التكيف الإيجابي وعدم التعامل بسياسات ردود الأفعال، وقد ذكر الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله أن: (الظروف تستطيع تكييفنا ولا تستطيع بإذن الله إتلافنا)، مع ضرورة توفر المناعة العلمية والفكرية والتربوية.

 

مصادر للاستزادة

كتاب (ثقافة الداعية) للعلاّمة يوسف القرضاوي، فصل: الثقافة الواقعية.

كتاب (فقه الواقع) للشيخ ناصر بن سليمان العمر.

مقال: (حاجتنا إلى فقه الواقع) للأستاذ جمال زواري أحمد.