حربكم على الإخوان خاسرة متى تفقهون؟

تاريخ النشر: 8 أغسطس 2012م

* نشر هذا المقال في جريدة النبأ البحرينية

 

(1)

كان الربع الأول من القرن الميلادي العشرين بالنسبة للأمة الإسلامية مثقلا بالهموم والمصائب، حافلا بالنكبات والكوارث!
في عام 1908م وقع (الانقلاب العثماني)، الذي مكّن لحزب الاتحاد والترقي، ذو الميول القومية المتطرفة، والمعادي للفكرة الإسلامية، من حكم الدولة العثمانية.

وفي عام 1916م، وقّعت كل من بريطانيا وفرنسا اتفاقية (سايكس بيكو) الشهيرة، لتقسيم تركة الرجل المريض! وفي عام 1917م، صدر (وعد بلفور) المشئوم.

وفي عام 1918م، انتهت الحرب العالمية الأولى بهزيمة الدولة العثمانية، فتيسرت للغرب -بالتالي- سبل تمرير اتفاقية سايكس بيكو وتنفيذ وعد بلفور!

وفي عام 1920م، وُقّعت اتفاقية (سان ريمو) التي رسمت الخطوط النهائية لمناطق النفوذ البريطاني والفرنسي في المشرق العربي.

وفي عام 1924م، ألغى الطاغية أتاتورك الخلافة الإسلامية، فحُرم المسلمون، لأول مرة في تاريخهم، من الغطاء الروحي والسياسي الذي يجمع بينهم.

وفي عام 1925م، أصدر العالم الأزهري علي عبد الرازق، بتدبير من بريطانيا، كتابه (الإسلام وأصول الحكم)، زاعما أن الإسلام عبادات وروحانيات فقط، ولا شأن له بالحكم والسياسة! حتى لا يفكر أحد في استعادة الخلافة السليبة.

 

(2)

كان الوضع كارثيا بمعنى الكلمة. وقع العالم العربي تحت الحكم المباشر أو غير المباشر للاستعمار الأوروبي، لتخف حدة هذا الاستعمار شيئا فشيئا لصالح الاستعمار الجديد القادم من القارة الأمريكية!
ثم ليبدأ العمل على تهيئة وضع جديد استعدادا لعهد استقلال الدول العربية، وذلك بوضع سياسات خبيثة تكفل بقاء النفوذ الأجنبي بعد الرحيل الظاهري لقوى الاستعمار، فتظل الحكومات العربية خاضعة خانعة، وتظل الشعوب العربية مُحارَبة في معتقداتها وأرزاقها من قِبَل هذه الحكومات (الوطنية)!

 

(3)

حدث واحد لم يكن في الحسبان.. حدث كان له أكبر الأثر في تعديل الميزان والحدّ من مكر الليل والنهار.. {ويمْكُرونَ ويَمكُر اللهُ واللهُ خيرُ الماكِرين} (سورة الأنفال‏/الآية 30‏) .. {وقَد مَكَروا مَكْرَهُم وعند اللهِ مَكرُهُم وإنْ كانَ مَكرُهُم لِتـَزول منهُ الجبال} (سورة إبراهيم/الآية 46) ..

ظهر إلى الوجود نهج جديد عوّض الله عزّ وجلّ به المسلمين عن إسقاط الخلافة، نهج يقوم على أمره دعاة ومجاهدون خرجوا من رحم هذه الملة العظيمة..

ولدت حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928م، لتدخل الأمة في مرحلة جديدة في تاريخها: عودة الوعي والأمل، وإعادة تنشيط القوى الإيمانية الكامنة في قلوب العرب والمسلمين.

كان أمر حفظ بيضة الإسلام من مسئولية الدولة، المتمثلة أساسا في (الخلافة)، فقام النهج الجديد بالاعتماد على ما نسميه اليوم (قوى المجتمع المدني)، و(المؤسسات الأهلية).

وقد اعتبرت حركة الإخوان، لهذا السبب، مجددة الإسلام في هذا العصر. لقد أسقط الأعداء مؤسسة سياسية حاكمة هي الخلافة، ولكن من يستطيع إسقاط الأمة بأكملها إذا أرادت الحياة؟!

عمل الإخوان على غرس العقيدة الإسلامية في القلوب، ثم ربط هذه القلوب ببعضها، وتحويل هذه العقيدة إلى طاقة تتفجر قوة وحيوية ونشاطا.

وأحيا الإخوان في قلوب الناس وأذهانهم تلك الحقيقة التي كادت أن تنقرض من عالم المسلمين! وهي أن الإسلام دين شامل لكل نواحي الحياة، فجاءت دعوتهم شاملة خيري الدنيا والآخرة. ويوصي الإمام البنا أتباعه فيقول: "إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم هذه سياسة! فقولوا هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام".

وقام الإخوان بدورهم الجهادي خير قيام: ضد الصهاينة في فلسطين، وضد الإنجليز في منطقة القناة، ودعموا جهاد الشعب الأفغاني ضد الروس، ويشكلون اليوم، رأس الحربة في جهاد الكيان الصهيوني الغاصب.

 

(4)

وأعلن الأعداء النفير العام! وبدأ العملاء الكبار والصغار في تلقي التعليمات! وبدأ الطغاة يعدون العدة للحفاظ على كراسيهم المصنوعة في واشنطن ولندن وباريس.. لقد بدأت الحرب الخاسرة ضد الإخوان!

• في مصر: تعرض الإخوان لمختلف (فنون الحرب): قتل، تعذيب، اضطهاد، تهميش، تشويه.. بدأت هذه الحرب في الأربعينيات من القرن الماضي وانتهت -نرجو- سنة 2011م! وبعد ستة عقود من الحرب أو سبعة، أصبح رئيس الجمهورية من الإخوان، وأصبح الطغاة في خبر كان!!

• في تونس: دولة بوليسية تحارب المسلمين عامة، والإخوان خاصة طوال ثلاثة عقود، كانت الزنازين خلالها هي مأوى الإخوان.. وفي أول انتخابات حرة نزيهة بعد الثورة: فاز الإخوان!

• في ليبيا: في ظل حكم الطاغوت الذي جمع بين الجنون والغرور، طوال أربعة عقود من الظلم والاضطهاد، قصد من ورائها إزالة الإخوان من الوجود، فإذا للإخوان كل معاني الوجود والصمود!

• في سوريا: بعد مذابح الإخوان الشهيرة في حماة وتدمر وفي كل شبر من أرض الشام المباركة، وبعد الإعدامات بدون محاكمات، وبعد النفي والتشريد في أرجاء الأرض من الثمانينيات إلى الآن، وبعد أن ظن البعض أن إخوان سوريا قد انقرضوا..! فإذا بهم من أهم القوى المشاركة في الثورة المباركة ضد الطاغوت النصيري.

والأمثلة كثيرة، والشواهد غزيرة على أن للإخوان صرح شامخ لا يُهدم.

 

(5)

شارك في هذه الحرب الظالمة كل طاغوت وطويغيت! وكل من باع دينه بدنياه، وكل رويبضة منتهى طموحه أن تنهال عليه بعض الدولارات من الخارج أو الداخل.

ووصل الأمر أن سُـلــِّط على الإخوان رجال أمن فاشلين، عجزوا عن حماية المواطنين والمقيمين في بلدانهم من عبث الموساد، ومع ذلك يحذرون من خطر الإخوان!

القصة قديمة قدم التاريخ، منذ أن حارب النمرود إبراهيم عليه السلام، ومنذ أن طغى فرعون في البلاد فأكثر فيها الفساد، ومنذ أن حارب النظام الفاسد الحاكم في مكة محمدا صلى الله عليه وسلم وصحبه.. إنها الحرب الأبدية بين الأتقياء الصالحين من جهة، والظلمة ونهابي خيرات الشعوب من جهة أخرى. لذلك، حُقّ للظلمة والمفسدين أن يخافوا من الإخوان!

وهذه طبائع الاستبداد: لا ضمير حي يؤنب صاحبه، ولا اتعاظ بالتاريخ، ولا وعي بالحدث القريب أو البعيد. لقد ربح الإخوان الحرب، وخسر الظالمون.

 

(6)

ما قلّ ودلّ: (لا يجتمع في قلب امرئ مسلم حبّ الإخوان.. وحبّ الطغيان)!