ثقافة الإمام البنا

تاريخ النشر: 9 مايو 2012م

 

يظن كثير من الناس أن الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى، لم يخلف من التراث العلمي والفكري سوى كتابيه المشهورين جدا: مذكرات الدعوة والداعية، ومجموعة الرسائل، وهم معذورون في ذلك!

إذ ظل التراث العلمي والفكري الكبير للبنا مجهولا لسنين طويلة. والسبب في ذلك، أن هذا التراث عبارة عن مئات المقالات والبحوث والرسائل، التي كتبها البنا في المجلات والجرائد اليومية والأسبوعية والشهرية، طوال الفترة من 1933م إلى 1949م. ولم يتم تجميع ونشر هذا التراث القيم إلا بعد عشرات السنين من استشهاده رحمه الله في 12 فبراير عام 1949م.

الإمام الشهيد حسن البنا

الإمام الشهيد حسن البنا

 

ومن المعروف أن ملامح المنهج الفكري والدعوي والتربوي للمدرسة الإخوانية يمكن تلمسها بوضوح من خلال مجموعة الرسائل التي كتبها الإمام الشهيد في فترات مختلفة طوال حقبتي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الميلادي المنصرم.

فهذه الرسائل هي عصارة فكره، والدليل الأوضح على منهجه القويم وثقافته الموسوعية الرائعة. ولكن للإمام كتابات كثيرة في شتى مجالات العلوم الشرعية والفكر الإنساني، نشرها في المطبوعات التالية:
جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية (في الفترة من 1933 إلى 1938م).
مجلة النذير الأسبوعية (1938-1940م).
مجلة المنار الشهرية (1939-1940).
مجلة التعارف الأسبوعية (من مارس إلى سبتمبر 1940م).
مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية (1942-1948م).
جريدة الإخوان المسلمين اليومية (1946-1948م).
مجلة الشهاب الشهرية (1947-1948).

 

ولقد جرت عدة محاولات لجمع ونشر هذه الكتابات بشكل مؤسسي عن طريق بعض دور النشر منذ أواخر السبعينيات. من ذلك، كتاب (منبر الجمعة)، الذي نشرته دار الدعوة حوالي عام 1978م.

وفي عام 1979م قامت مكتبة الاعتصام بنشر عدة مقالات في مجالات معينة في ثلاثة كتب هي: (نظرات في السيرة)، و(نظرات في القرآن)، و(نظرات في النفس والمجتمع).

ثم تتابعت بعد ذلك جهود بعض طلاب العلم من محبي الإمام فتم نشر بعض الكتب التي جمعت كتاباته في مجال التفسير وغيره.

 

ولكن كان العمل المكتمل الرائع والموثق، والذي بذلت فيه جماعة الإخوان في مصر جهدا جماعيا منظما ومرتبا ومضنيا، هو ذلك العمل الذي أشرف عليه عضو مكتب الإرشاد، فضيلة الشيخ جمعة أمين عبد العزيز حفظه الله، والذي صدر ابتداء من عام 2004م، عن دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع بالإسكندرية.

وهذا العمل العظيم هو عبارة عن سلسلة حملت مسمى (من تراث الإمام البنا)، وتضم أربعة عشر كتابا، وكل كتاب يضم مجالا معينا من مجالات الفكر والعلم الشرعي.

ولنتعرف على مدى شمولية فكر البنا وموسوعية ثقافته، لاحظوا المجالات والتخصصات التي كتب فيها:
● الكتاب الأول: العقيدة والحديث.
● الكتاب الثاني: التفسير.
● الكتاب الثالث: خواطر من وحي القرآن.
● الكتاب الرابع: الفقه والفتوى.
● الكتاب الخامس: عظات وأحاديث منبرية.
● الكتاب السادس: المناسبات الإسلامية.
● الكتاب السابع: إلى الأمة الناهضة.
● الكتاب الثامن: الإصلاح الاجتماعي.
● الكتاب التاسع: الإصلاح السياسي.
● الكتاب العاشر: قضايا العالم الإسلامي.
● الكتاب الحادي عشر: مقالات حول القضية الفلسطينية.
● الكتاب الثاني عشر: في الدعوة والتربية.
● الكتاب الثالث عشر: الدعوة والحكومات والهيئات.
● الكتاب الرابع عشر: حوارات ومراسلات وأدبيات.

هذا بالإضافة إلى الكتاب الخامس عشر، والذي خصص لـ (مجموعة رسائل الإمام البنا)، مع رسائل تنشر لأول مرة.

 

لقد كان الإمام البنا، خرّيج (دار العلوم) بالقاهرة عام 1927م، ذو ثقافة عالية جمعت بين الأصالة والمعاصرة، بين الدين والدنيا.

كان رحمه الله يحفظ الألوف من أبيات الشعر ومتون النثر، وملما بعلم التفسير والحديث والفقه، وقارئا جيدا للتاريخ الإسلامي والعالمي، وملما بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الصعد المحلية والعالمية، كما يبدوا ذلك واضحا فيما سطره في رسائله ومقالاته.

وكان بمقدوره أن يقارن بين الدستورين المصري والسويسري! ويستطيع بسهولة أن يرد على الشبهات التي تثار ضد الدين الإسلامي الحنيف، كما ظهر ذلك جليا من خلال رده العلمي الدقيق على الدكتور طه حسين في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر)، والذي نشره عام 1938م.. هذا الردّ المفحم والمؤدب، الذي جعل طه حسين يقول: (يا ليت أعدائي مثل حسن البنا)!

 

ونتساءل في الختام:

هل من نواقص في هذا البناء الفكري الثقافي الشامخ للإمام الشهيد ؟ هل من مجال حيوي لم يتطرق له البنا، أو يعره الاهتمام الكافي؟

نرى أن هناك ثغرة تتعلق بمسالة الطائفية البغيضة، ومشاريعها الاستعمارية، التي لا تقل خطرا وسوءا عن المشاريع الاستعمارية الغربية والصهيونية!.. لقد عاصر الإمام البنا كل من الإمام محمد رشيد رضا، والأستاذ محب الدين الخطيب رحمهما الله تعالى، وخالطهما، واستفاد من علمهما. ولقد تصدى الرجلان -كل بطريقته- لأصحاب البدع والأهواء ومشاريعهم الخطرة على عقائد المسلمين وأوطانهم، وتبين لهم خطورة هؤلاء منذ تلك الفترة المبكرة من ثلاثينيات القرن الميلادي العشرين. ولكن يبدوا أن كان للإمام البنا وجهة نظر أخرى تتلخص في حرصه الشديد على وحدة المسلمين!.. وهذا اجتهاد نرى أن الإمام المبجل قد نال عليه أجرا واحدا لا أجرين.. وعلى تلاميذه ومحبيه تدارك هذا النقص!

 

اللهم ارضَ عن أستاذ الجيل، ومؤسس الصحوة المباركة، عبدك الصالح حسن البنا..

اللهم تغمده برحمتك الواسعة، فقد اقتدى برسولك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعمل لمرضاتك، ودعا إلى طاعتك، واستشهد في سبيلك.