سطور في فقه التاريخ

تاريخ النشر: 15 فبراير 2012م

 

هذه محاولة لتسليط الضوء على علم شريف، هو علم التاريخ، أو (التأريخ)..

فلعل وعسى أن يبدي الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى مزيدا من الاهتمام بهذا العلم النافع..

 

(1)

عندما نتوغل في أعماق التاريخ، فنسبر أغوار الماضي، لنأخذ منه الدروس والعبر للحاضر، فنحسن التخطيط للمستقبل، عندئذ.. يكون العناق بين الفكر والتاريخ، ويكون للتاريخ فقه وفلسفة، وعندئذ يكون الفكر التاريخي حاضرا في أذهاننا، واضحا في أفهامنا.

فالتاريخ بتعبير الدكتور أحمد شلبي رحمه الله (شعاع من الماضي ينير لنا الحاضر والمستقبل). ويقول الشاعر:

اقرأ التاريخ إذ فيه العبر..
ضل قوم ليس يدرون الخبر

 

(2)

يقول ابن خلدون في مقدمته: "اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذاهب جم الفوائد شريف الغاية.. إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا..".

ويقول رحمه الله: "وهو في ظاهره لا يزيد عن أخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأُول. تنمو فيها الأقوال وتضرب فيها الأمثال، وتطرف بها الأندية إذا غصها الاحتفال. وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومباديها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق. لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعدّ في علومها وخليق..".

 

(3)

وقد أخذ التاريخ، لأهميته، حيزا مهما في القرآن الكريم. يقول المؤرخ المعاصر الدكتور عماد الدين خليل: "إن ثمة حقيقة أساسية تبرز واضحة في القرآن الكريم، تلك هي أن مساحة كبيرة من سورة وآياته قد خصصت (للمسألة التاريخية) التي تأخذ أبعادا واتجاهات مختلفة وتتدرج بين العرض المباشر والسرد القصصي لتجارب عدد من الجماعات البشرية..".

 

(4)

ومن دلائل اهتمام المسلمين الكبير بالتاريخ، اهتمامهم بالسيرة النبوية المطهرة، على صاحبها أزكى الصلوات وأتم التسليمات.

فالسيرة ما هي إلاّ تاريخ، ولكنه أجلّ تاريخ، لأعظم إنسان. تاريخ كله دروس وعظات وعبر.. تاريخ حافل بالبذل والعطاء، وبالدعوة والجهاد، تاريخ هو في الواقع التجلي العملي للأحكام والتعاليم والأخلاقيات التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية.

 

(5)

وقد مر تاريخنا الإسلامي بفترات مد وجزر، فالتاريخ من صنع رجال يصيبون ويخطئون، والفكر التاريخي يدعوا إلى التعامل الحكيم مع هذه الظاهرة.

إذ تختلف درجة الإضاءة في صفحة التاريخ بمقدار استمداد أهل كل فترة من فتراته من النبع الإسلامي الأصيل: فتشتد الإضاءة حين يكون استمدادهم على أتمه، وتخبو أو تُظلم حين يضعف أو ينقطع الاستمداد.

في تاريخنا صفحات مشرقة، وأخرى قاتمة. وعندما نقدم دراسة عن تاريخنا لا بد أن نتناول الوجهين: المشرق لنعرف عناصر القوة، والقاتم لنعرف أسباب التدهور، وكيف نهض الأجداد بعد الكبوة.

 

(6)

ومن أكبر المشاكل التي نعاني منها وأشدها خطرا حين تعاملنا مع المادة التاريخية، مشكلة التساهل في السند.. وغياب الحس النقدي، على خلاف ما كان يحدث حين التعامل مع الأحاديث النبوية الشريفة. حيث نُواجَه في كثير من الأحيان بنصوص غامضة، أو مناقضة لما هو عندنا من الحقائق والثوابت!

ويقدم لنا الدكتور عماد الدين خليل الحل، يقول: "يمكن الإفادة في مجال النقد من علمي (مصطلح الحديث) و(الجرح والتعديل) اللذين مورسا على نطاق واسع في عمليات تمحيص الأحاديث النبوية..".

 

(7)

ولتاريخنا أعداء متربصون، يعملون ليل نهار لتشويهه، وبالتالي تعطيل خاصية الاستمداد منه. وألد أعداء التاريخ الإسلامي هم: أهل البدع والأهواء من الفرق المنحرفة عن النهج القويم، والمستشرقون وتلاميذهم، وأصحاب الأقلام المعادية للفكرة الإسلامية من علمانيين ويساريين وليبراليين وغيرهم.

 

(8)

ومن أهم مصادر التاريخ الإسلامي: تاريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري (بشرط التدقيق في صحة السند)، والكامل في التاريخ لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير، وتاريخ الإسلام للذهبي، والطبقات الكبرى لابن سعد، والعبر لابن خلدون.

 

(9)

ونحذر من الكتب التالية: تاريخ اليعقوبي، فصاحبه من ذوي الأهواء، وكذلك مروج الذهب للمسعودي، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.. فهو صاحب أهواء وشهوات!

ونحذر كذلك من كتاب الإمامة والسياسة، فهو منسوب زورا وبهتانا للعالم المبجل ابن قتيبة الدينوري.

 

(10)

ومن أفضل مَنْ ننصح بقراءة كتبهم من المعاصرين: اللواء الركن محمود شيت خطاب رحمه الله، والدكتور عماد الدين خليل، والدكتور عبد الرحمن الحجي، والثلاثة من العراق. وأحمد عادل كمال والدكتور راغب السرجاني، وهما من مصر. والدكتور علي الصلابي من ليبيا، والدكتور محمد أمحزون من المغرب.. والكمال لله تعالى.

 

محمود شيت خطاب، عماد الدين خليل، راغب السرجاني، علي الصلابي