ليس النفط فقط بل الماء أيضا

تاريخ النشر: 8 أبريل 2010م

 

إذا كان ظهور النفط قد جعل من المنطقة العربية أحد المحاور الساخنة للصراع الدولي خلال العقود الماضية، فإن المياه العربية ليست بأقل خطورة من النفط، وستكون لها الأهمية القصوى في استراتيجيات العدو الصهيوني، ومن ورائها القوى الدولية، في الحقبة القادمة.

 

للدلالة على خطورة هذا الموضوع، هذه بعض الأرقام المهمة التي أوردها الأستاذ عادل عبد الجليل بترجي في كتابه القيم (المياه حرب المستقبل):

يبلغ معدل هطول الأمطار سنويا في المنطقة العربية ما بين 5 إلى 45 ملليمترا، في حين أن هذا المعدل يرتفع بكثير في الدول الأخرى، فعلى سبيل المثال: دولة مثل فرنسا، يبلغ معدل هطول الأمطار فيها سنويا بين 500 إلى 2000 ملليمتر.

تمثل الصحاري نحوا من 43% من مساحة العالم العربي، وتشغل حوالي 600 مليون هكتار من جملة 1394 مليون هكتار.

يقدر المخزون العالمي للمياه بحوالي 1368 مليار كيلومتر مكعب، منه حوالي 24 مليار كيلومتر مكعب مخزون المياه العذبة، أي أن نسبة المياه المالحة من المخزون العالمي هو حوالي 98%!

يبلغ نصيب الفرد العربي من المخزون المائي نحو 1745 متر مكعب في السنة، بينما المعدل الآسيوي على سبيل المثال يبلغ 6700 متر مكعب.

بصفة عامة، يفتقر العالم العربي إلى شبكات مياه كبيرة ومستديمة الجريان، حيث تعتبر أنهار النيل ودجلة والفرات حالات شاذة عن هذه القاعدة.

أنهار النيل ودجلة والفرات -أهم أنهار الوطن العربي- تستمد مياهها من مصادر خارج الوطن العربي. فنهر النيل ينبع من أواسط أفريقيا وإثيوبيا، ونهري دجلة والفرات من تركيا.

يلاحظ ظاهرة عدم الاستثمار المناسب لمصادر المياه العربية، ففي عام 1985م تم استخدام 51% من كمية الموارد المتاحة، وارتفعت هذه النسبة إلى 87% عام 2000م. مما يدل على أن استثمار المياه في العالم العربي يعاني أشد حالات الضعف مقارنة بالدول والأطراف الأخرى في العالم، بل في المنطقة أيضا (إسرائيل!).

إضافة إلى ذلك، فإن هناك أيضا إهدارا لفاقد كبير من مصادر المياه. للتوضيح: فإن إجمالي كمية موارد نهر النيل هي 124 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وتبلغ كمية الفاقد نحو 40 مليار متر مكعب!

يلاحظ أيضا أن أربع دول عربية فقط، هي مصر والسودان وسوريا والعراق، تستأثر بنحو نصف مصادر المياه العربية. والخطورة في الأمر أن توزيع مصادر المياه لا يعكس بالضرورة استفادة مماثلة لها. فالسودان لا يساهم في سلة الغذاء العربية بنسبة تتناسب مع هذه الكمية من المياه.. وكذلك بالنسبة لمصر، حيث لم تتجاوز نسبة المزروع من أراضيها 4% من مساحتها!

 

مجرى ومنبع نهر النيل

مجرى ومنبع نهر النيل

 

نترك لغة الأرقام لنعود إلى واقعنا الحالي، ومدى علاقة هذا الواقع بمسألة المياه ضمن صراعنا المصيري مع العدو الصهيوني.

لقد أدرك زعماء اليهود، منذ أواسط القرن التاسع عشر، أن تحقيق أهدافهم في تهجير ملايين اليهود إلى فلسطين لن يتم إلا بتوسيع السيطرة على أراضيها، وأن التوسع في استغلال الأراضي لن يتم إلا بتأمين كميات كافية من المياه لإروائها، وبالهيمنة الكاملة على مصادرها.

ولقد أدت الصهيونية دورا مهما في تعيين الحدود السياسية لفلسطين في عهد الانتداب البريطاني، فأدخلت كثيرا من مصادر المياه داخل حدود الدويلة الصهيونية.. بل إنه في عام 1919م، بعث حاييم وايزمن زعيم الحركة الصهيونية برسالة إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا طالب فيه بضرورة أن يضم المشروع اليهودي في فلسطين كل من حوض نهر الليطاني، وجبل الشيخ الذي به منابع نهر الأردن واليرموك.

 

ومن المعروف اليوم، أن مصادر المياه في فلسطين المحتلة تكاد لا تسد الحاجات الحالية للدولة الصهيونية، فمسألة البحث عن مصادر إضافية مضمونة للمياه جزء من الإستراتيجية الصهيونية، وقد ذكرت صحيفة (هآرتس) في سنة 1978م أنه "إذا لم يجر عاجلا تطوير سريع للموارد المائية الموجودة، فسيحدث نقص بمقدار 400 إلى 450 مليون متر مكعب من المياه خلال العقد التالي، كنتيجة للزيادة في عدد السكان..".

 

مجرى ومنبع نهري دجلة والفرات

مجرى ومنبع نهري دجلة والفرات

 

وهاهي إسرائيل اليوم تحاول أن تثبّت قدميها في أرض الرافدين في ظل الاحتلال الأمريكي، وهاهي تحاول -مع حليفتها أمريكا- ابتزاز سوريا وإخراجها من حالة الحرب(!) إلى حالة الاستسلام والخضوع، وهي الحالة التي ستؤدي إلى موافقة سوريا، حسب خريطة الطريق، على بدء المفاوضات الشرق أوسطية العامة لبحث مختلف القضايا، والتي ستكون المياه في مقدمتها.. وهاهي إسرائيل تحاول جاهدة أن تقيم روابط إستراتيجية مع تركيا الغنية بمصادر المياه.

 

ألا يكفينا هذا الشعار الصهيوني الواضح: من النيل إلى الفرات، كي نفطن إلى حقيقة نوايا العدو التوسعية و.. المائية!!