حسن البنا والقضية الفلسطينية

تاريخ النشر: 20 فبراير 2009م

 

لأنها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأرض البطولات الإسلامية والمعارك المجيدة، وحبها جزء من عقيدتنا..

ولأن دعوة الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله نجحت في أن توازن بين القضايا الوطنية المحلية، والقضايا الإسلامية العامة بدون إحداث أي خلل في مجمل اهتمامات الدعوة الإسلامية..

لهذا كله كان من الطبيعي جدا أن تحظى القضية الفلسطينية في نفس وفكر الإمام البنا بالاهتمام البالغ، والمتابعة الدقيقة منذ البدايات الأولى للقضية، ومنذ أن كان البنا شابا في بداية العشرينيات من عمره المبارك.

 

الإمام حسن البنا

الإمام حسن البنا

 

في عام 1931م، عقد المؤتمر الإسلامي الأول بفلسطين برعاية مفتي فلسطين الأكبر المجاهد الشيخ محمد أمين الحسيني رحمه الله تعالى، وقد بعث الإمام البنا برسالة للمؤتمر عبر فيها عن دعمه للمشاركين فيه، وذكرهم بالإخلاص لله عز وجل حتى يبارك الله في جهودهم، وتضمنت الرسالة بعض المقترحات العملية في المجالات السياسية والثقافية والفكرية لدعم استقلال وحرية فلسطين.

 

الشيخ محمد أمين الحسيني

الشيخ محمد أمين الحسيني

 

وقد رد المفتي الحسيني برسالة جاء فيها: "حضرات السادة الكرام رئيس وأعضاء جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية المحترمين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. فقد تلي بيانكم في مكتب المؤتمر الإسلامي العام فكان موضع التقدير والاعتبار، وستهتم اللجنة التنفيذية بما جاء فيه كل الاهتمام، وبهذه المناسبة فإنا نشكر لكم ما تبذلون من جهود لإعلاء كلمة الإسلام، ونأمل أن يكون منكم ومن فروع جمعيتكم الموقرة في الديار المصرية أكبر مساعد على تنفيذ مقررات المؤتمر ومشروعاته الطيبة. وفي الختام نرجو الله أن يوفقنا وإياكم لخير الإسلام والمسلمين".

 

وقد بذل الإخوان في مصر جهودا ضخمة على مختلف الصعد لدعم إخوانهم أهل فلسطين: على الصعيد المادي بجمع التبرعات في مختلف مناطق مصر، وعلى الصعيد الإعلامي من خلال نشر المقالات والأخبار المتعلقة بمستجدات القضية، ونشر الفتاوى الشرعية بخصوص تقديم الدعم المادي والمعنوي لمجاهدي فلسطين، وعلى الصعيد السياسي بإرسال البرقيات للزعماء العرب وتنظيم المظاهرات والمسيرات والمؤتمرات لتعريف الشعوب الإسلامية بالقضية.

 

وقد استمر البنا يدعو إلى نصرة الشعب الفلسطيني مستثمرا كل الوسائل الإعلامية المتاحة، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
مقال كتبه بعنوان (فلسطين المجاهدة) في جريدة (الإخوان المسلمين) الأسبوعية الصادرة في نوفمبر 1933م..
رسالة أرسلها في يوليو 1936م إلى الأمير عمر طوسون يحثه فيها على تقديم الدعم للقضية الفلسطينية..
رسالة وجهها في نوفمبر 1937م للسفير الفرنسي في القاهرة يدعوه فيها لئن تمارس فرنسا ضغوطا عل حليفتها بريطانيا لرفع الظلم عن الفلسطينيين..
المساهمة في إعداد ونشر وتوزيع كتاب (النار والدمار في فلسطين)، وهو كتاب فيه "وصف صادق للفظائع التي ارتكبتها بريطانيا في فلسطين" بتعبير الإمام البنا.

 

إن هذا النشاط الواسع على الصُعد الإعلامية والفكرية والدبلوماسية صاحبه نشاط عملي ميداني ليوافق القول العمل، فموافقة القول العمل هي خصيصة أخرى من خصائص دعوة البنا رحمه الله.

فقد استقبلت فلسطين في أغسطس 1933م أول وفد من الإخوان يرسل لخارج مصر، وكن من بين أعضاء الوفد عبد الرحمن البنا رحمه الله شقيق الإمام الشهيد.

وكانت المظاهرات الشعبية العامة قد بدأت تجتاح مصر في نفس هذا الشهر، هذه المظاهرات التي كان للإخوان الدور الأكبر في تنظيمها وتوجيهها.

وفي يوليو 1935م وصل وفد آخر إلى فلسطين مكون من عبد الرحمن البنا ومحمد أسعد الحكيم وقابلا المفتي الحسيني. وفي عام 1936م أسس الإخوان (اللجنة المركزية العامة لمساعدة فلسطين).

وفي بدايات عام 1939م بدأت حملة (قرش فلسطين) استجابة لدعوة البنا لبدء حملة قوية في جميع أنحاء مصر لجمع التبرعات لصالح فلسطين.

وفي فبراير 1945م أقام الإخوان المسلمون مظاهرات ضخمة في ذكرى وعد بلفور المشئوم.

وفي عام 1947م، حينما دب النزاع بين منظمتي (النجادة) و(الفتوة) الفلسطينيتين، أرسل البنا القيادي الإخواني محمود لبيب رحمه الله لرأب الصدع وإزالة الخلاف.

 

ومع اكتمال فصول المؤامرة والإعلان عن قيام الكيان الغاصب، بدأت الملحمة الجهادية على أرض فلسطين، ليقدم حسن البنا وصحبه دمائهم في سبيل الله وحماية مقدسات المسلمين.

وقد شهدت أرض فلسطين ضروبا من البطولات التي ذكرتنا ببطولات الرعيل الأول من جيل الصحابة والتابعين والفاتحين.

 

في أكتوبر 1948م نجح اليهود في الاستيلاء على مرتفع شاهق يعرف بـ (تبة اليمن)، فقامت قوة من مجاهدي الإخوان بقيادة البطل خالد فوزي رحمه الله بهجوم مضاد فطردت القوة الصهيونية بعد أن كبدته خسائر فادحة.

وفي ديسمبر 1948م استنجد الجيش المصري في فلسطين بمتطوعي الإخوان لاسترداد (التبة 86) من يد اليهود، وقد نجح الإخوان في ذلك بعد بطولات رائعة، وبقيادة البطلين حسن دوح وعبد الهادي ناصف رحمهما الله.

وهناك صور أخرى لبطولات الإخوان في النقب وصور باهر والقدس، لا يتسع المجال لذكرها.

وقد ساهم في هذه البطولات مع أبناء مصر مجاهدون من سوريا والأردن والعراق وغيرها، من الذين رباهم الإمام الشهيد على حب الله ورسوله، والدفاع عن ديار العرب ومقدسات المسلمين.

 

وقد دفع الإمام البنا حياته ثمنا لهذه المبادئ السامية، إذ أن السبب الرئيس وراء اغتياله في فبراير 1949م كما يرى كثير من المحللين، هو الدور الذي قام به في فلسطين.

 

خارطة فلسطين المحتلة

خارطة فلسطين المحتلة