هل بدأت الحرب الباردة الثانية؟

تاريخ النشر: 17 سبتمبر 2008م

 

الاندلاع العنيف للأزمة الروسية الجورجية، بدا وكأن العالم يعيش من جديد أجواء الحرب الباردة التي كانت سائدة بين المعسكرين الشرقي والغربي حتى نهاية ثمانينيات القرن العشرين.

 

أطلق مصطلح (الحرب الباردة) على الجو السياسي الدولي السائد بين نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار المنظومة السوفييتية (1946-1989م).

وكان يقصد بها حالة الـ لا سلم والـ لا حرب التي طبعت العلاقات بين المعسكرين الكبيرين المتنافسين: المعسكر الشرقي الذي تبنى النهج الاشتراكي الماركسي، وعموده الفقري حلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفييتي.. والمعسكر الغربي ذو النهج الرأسمالي الليبرالي، وعموده الفقري حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت العلاقات يسودها التوتر الشديد في أحيان كثيرة نتيجة للتنافس على مواقع النفوذ، خاصة في دول العالم الثالث، وإن كانت هذه العلاقات لا ينقصها إبرام صفقات سرية أو توزيع للأدوار من حين لآخر بطبيعة الحال!

ولكن كانت السمة الغالبة على تلك الحقبة، ذلك التنافس المرعب بين الطرفين في المجال العسكري، وخاصة في إنتاج وتطوير الأسلحة النووية.

وبعد أن انهار الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الشرقي، وانزوت روسيا وانشغلت بمشاكلها الداخلية من سياسية واقتصادية، تفردت أمريكا بالنفوذ ونشأ نتيجة لذلك نظام دولي جديد ذو قطب واحد!

 

موقع جورجيا على الخارطة

موقع جورجيا على الخارطة

 

ولكن اندلاع الحرب بين روسيا وجورجيا في منطقة القوقاز، واستخدام الروس الواسع لآلتهم العسكرية التي كادت أن تصدأ! وتوغلهم في أراضي الجارة الجنوبية الصغيرة بالرغم من المعارضة السياسية الشديدة للغرب، خاصة أمريكا.. كل ذلك جعل المحللين يتوقعون بداية لحقبة جديدة من الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا على وجه الخصوص.

 وخاصة أن روسيا بدأت تتعافي ببطء من حالة الركود الاقتصادي والانزواء السياسي، وبدأت بالتالي معالم روح التحدي تبرز من حين لآخر عبر اتخاذ مواقف سياسية متشددة في الأزمات الدولية، مثل معارضة استقلال كوسوفو والوقوف بشدة مع حليفتها صربيا.. وعدم تبني مواقف أمريكا والغرب في قضية الملف النووي الإيراني.

ورافق ذلك إحياء بعض المظاهر العسكرية التي ذكرتنا بأيام الاتحاد السوفييتي السابق، كإعلان روسيا قبل مدة إرسال بعض من سفنها الحربية للمرابطة بالبحر الأبيض المتوسط كما هو حال الأسطول السادس الأمريكي، وذلك بعد غياب عسكري تام عن هذه المنطقة الحيوية لحوالي عشرين سنة!

وهناك مؤشر عسكري آخر لوحظ بوضوح من خلال الحرب الروسية الجورجية، وهو الاستخدام المكثف لسلاح الجو الروسي، في إشارة واضحة على أن الطيران الحربي الروسي قد استعاد عافيته، بعد اللجوء الاضطراري لإيقاف استخدام آلاف الطائرات وإبقائها على الأرض في أعقاب سقوط الدولة السوفييتية، وتفكك وتوزيع نسبة كبيرة من هذه الطائرات على الجمهوريات المنسلخة عن النظام المنهار.

 

وعلى كل حال، فلئن كان الذي سقط عام 1989م هو (روسيا العقائدية)، فإن القادم الجديد إلى حلبة الصراع الدولي هو (روسيا القومية)!