الشيخ محفوظ نحناح المنهج الدعوي لا المنهج الدموي

تاريخ النشر: 27 ديسمبر 2007م

 

طاقة فكرية هائلة، وفهم للإسلام دقيق، وصبر عظيم على تحمل الأذى في سبيل الدين والوطن..

هذه كانت عدّة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله في التصدي لطرفين متناقضين: طرف معاد للإسلام متمثل في قوى العلمانية بمختلف تشكيلاتها، وطرف منتسب للإسلام، ضرّه أكثر من نفعه!!

يتمثل في أصحاب الفكر التكفيري الدموي. وكلا الطرفين مسئول عن المأساة المروعة التي تعيشها الجزائر الحبيبة.

 

الشيخ محفوظ نحناح

الشيخ محفوظ نحناح

 

بطاقة حياة

ولد الشيخ محفوظ نحناح في 28 يناير 1942م بمدينة البليدة، الى الجنوب من الجزائر العاصمة، حيث نشأ في أسرة محافظة.

تعلم دروسه في المدرسة الإصلاحية التي أنشأتها الحركة الوطنية، وهي المدرسة التي كانت تمثل رمز المقاومة والدفاع عن الهوية العربية الإسلامية ضد محاولات الانسلاخ والتغريب.

شارك في ثورة التحرير المباركة وهو في ريعان شبابه. وقد أكمل مراحل التعليم الابتدائية والثانوية والجامعية في الجزائر، حيث التحق بكلية الآداب واللغة العربية بجامعة الجزائر سنة 1966، وعمل مدرسا في المدارس الابتدائية، ثم أستاذا في كلية العلوم الإسلامية، حيث قام بتدريس مادتي التفسير والسيرة النبوية.

وقد اشتغل في حقل الدعوة الإسلامية لأكثر من ثلاثين عاما، في مقابل المد الثوري الاشتراكي ونشر الثقافة الفرنسية، وكان يعتبر من أشد معارضي التوجه الماركسي (الموالي للمعسكر الشيوعي) والفرنكفوني (الموالي لفرنسا).

شغل منصب مدير مركز التعريب بالجامعة المركزية بالعاصمة. وفي سنة 1975م سجن بتهمة تدبير انقلاب ضد نظام حكم الرئيس هواري بو مدين، حيث عارض فرض النظام الاشتراكي بالقوة على المجتمع الجزائري باعتباره خيارا لا يتماشى مع مقومات الشعب الجزائري العربي المسلم، ودعا إلى توسيع الحريات السياسية والاقتصادية، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة، وكان السجن فرصة ثمينة للاستزادة من العلم من جهة، والمراجعة للطروحات الفكرية والسياسية من جهة أخرى، وقد تحول على يديه خلق كثير من السجناء من الانحرافات السلوكية وأصبحوا نماذج حسنة.

وقد أسس جمعية (الإرشاد والإصلاح) في سنة 1988م هو ورفيق دربه الشهيد الشيخ محمد بو سليماني، الذي اغتالته الجماعة الإسلامية المسلحة. ثم أنشأ حزبا سياسيا تحت اسم (حركة المجتمع الإسلامي)، وانتخب أول رئيس له في 30 مايو 1991م. وقد تغير اسم الحركة فيما بعد إلى (حركة مجتمع السلم).

ترشح الشيخ نحناح للانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر 1995م، وحصل على المركز الثاني بأكثر من ثلاثة ملايين صوت، حسب النتائج "الرسمية المعلنة"، وتعتبر هذه الانتخابات أول انتخابات رئاسية شارك فيها الإسلاميون في العالم الإسلامي بمرشح يحمل هذا التوجه. ولكنه منع من الترشح مرة ثانية للانتخابات الرئاسية التي جرت عام 1999م بحجة أنه لم يكن أحد مجاهدي حرب التحرير!!

توفي رحمه الله عن 61 عاما إثر إصابته بسرطان الدم، وتم تشييع جثمانه الطاهر بعد ظهر الجمعة الموافق 20 يونيو 2003م إلى مقبرة العالية بالجزائر العاصمة بحضور أكثر من ثمانين ألف مشيع.

 

حركة مجتمع السلم

حصلت الحركة على الاعتراف بها كحزب رسمي في فبراير 1991م، ولكنها في الوقت نفسه تعتبر من أقدم الجمعيات الإسلامية نشاطا في الجزائر في مرحلة الاستقلال، حيث ترجع بداياتها الأولى إلى أوائل السبعينيات.

وللحركة أنصار ومؤيدون في مؤسسات القطاع العام والمؤسسات الحكومية، وبين رجال التربية والتعليم، وفي القرى والأرياف. ولعل السبب في سرعة اتساع قاعدة المؤيدين يرجع في جانب أساسي منه إلى خصائص المنهج الفكري والخطاب السياسي الذي تمارسه وتدعو إليه. كما يرجع في جانب آخر إلى شخصية الشيخ نحناح رحمه الله.

 

خاضت الحركة الانتخابات النيابية في عدة مناسبات، وفي انتخابات عام 2007م حازت -تحت قيادة الشيخ أبو جرة سلطاني- على المركز الثالث حسب التالي:
● جبهة التحرير الوطني: 138 مقعدا
● التجمع الوطني الديمقراطي: 61 مقعدا
● حركة مجتمع السلم: 52 مقعدا
● التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية: 19 مقعدا

 

هذا، وتعتبر حركة مجتمع السلم منذ أوائل الثمانينيات هي المعبّر عن حركة الإخوان المسلمين في الجزائر، ومن ثم فهي تتسم بسماتها الأساسية مثل الاعتدال والوسطية والتجديد، والفهم الشامل للإسلام، واتساع الأفق، والالتزام بالضوابط الشرعية، والتدرج في عملية الإصلاح والتغيير.

 

منهج سديد

 كان الشيخ نحناح يرى أن المشاركة في قاعدة الحكم أولى من الروح الانسحابية أو المعارضة الراديكالية، وقد بينت الأحداث صواب هذا الاختيار.. ولكن في نفس الوقت، كان له موقف واضح من وقف المسار الانتخابي في بداية التسعينيات، وكان يرى أن خطأ الحكومة الكبير لا يعالج بخطأ حمل السلاح وجز الرقاب وثقافة التدمير والحقد.

وأدان العنف والإرهاب وكل مظاهر الغلو في الدين منذ بدايات الأحداث المأساوية في الجزائر، وكرس جهوده للدفاع عن قيم الوسطية والاعتدال، وقد دفعت حركته ضريبة غالية، أهمها اغتيال مئات من أفراد ومحبي الحركة، وعلى رأسهم الشيخ محمد بو سليماني رحمه الله، الرجل الثاني في حركة مجتمع السلم.

وكان يرى أن البراعة في الشئون المدنية والمعارف الكونية والعلوم الحديثة ضرورة ملحّة لبناء الأمة وإقامة الحضارة، وكان يقول:
"إن الذين تشغلهم النوافل عن إتقان صناعة أو زراعة أو تجارة أو علم لا يستحقون الاحترام! والذين تزداد خبراتهم بفنون الحياة المختلفة إنما يتجاوبون مع منطق دينهم، ونحن نريد بناء حياتنا على قواعد رسالتنا العتيدة".

 

هذا هو الشيخ محفوظ نحناح، الذي كرس حياته في سبيل دينه ووطنه، واجتهد خلال مسيرته الدعوية والفكرية والسياسية الطويلة، فنجح في كثير من الأحيان، وأخفق في بعض الأحيان، فلم يكن يدعي العصمة، ولكنه ظل حتى آخر رمق من حياته رجل الفكرة والعقيدة، ورجل المواقف الصعبة والأزمات الجسام، وصاحب البصيرة النفاذة والرؤية الصادقة.