نظام عالمي جديد يتشكل!

تاريخ النشر: 13 أبريل 2022م

 

كشف الحدث الأوكراني عن مؤشرات خطيرة ومستجدات مثيرة على المستوى العالمي. لقد عادت روسيا إلى مرتبة (الأول مكرر)! وانتهى تماما نظام (القطب الأوحد) الذي تشكل بعد انهيار المنظومة السوفييتية نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن المنصرم.

 

أحداث سياسية سابقة على أحداث أوكرانيا الحالية كشفت عن طموحات الداهية بوتين في إحياء الإمبراطورية الروسية، منها الحرب الشعواء التي شنتها روسيا على جمهورية جورجيا عام 2008م والتي أدت إلى اقتطاع منطقتين من جورجيا هما أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

ثم إحياء التواجد العسكري الروسي في كل من سوريا وليبيا ومالي، ومؤخرا، التدخل الروسي العسكري السريع في الأحداث الداخلية في كازاخستان.

 

وكما أن هذه الأحداث كشفت عن الإصرار الروسي على عدم السماح لكل من جورجيا وأوكرانيا بالانضمام لحلف الناتو، فإنها كشفت أيضا عن تردد الغرب وعدم قدرته على حماية دول يعتبرها بوتين مناطق نفوذ طبيعي لروسيا.

وكيفما انتهى إليه التدخل العسكري الروسي الحالي في أوكرانيا، وسواء انتهت الأحداث بالاحتلال الكامل، أو حدثت تسوية سياسية، فإن القضية ستنتهي حتما لصالح روسيا.

 

والملفت هنا، وله علاقة مباشرة بالنظام العالمي الجديد الآخذ في التشكل، هو موقف الصين، والتي ستكون الطرف الثالث في (الثالوث الحاكم) الجديد في العالم!

فقد انحازت الصين بقوة إلى روسيا في رفض توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في خطوة تدل بوضوح على التحالف القوي بين البلدين في مواجهة أمريكا.

ظهر ذلك بوضوح في البيان المشترك بين البلدين أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للصين في بدايات فبراير.

 

وسترد روسيا الجميل للصين في الحدث الخطير القادم: قضية تايوان ومطالب الصين بضمها للوطن الأم.

إليكم هذا الخبر: "قالت وزارة الخارجية التايوانية في بيان على موقعها على الإنترنت، إن تايوان أدانت البيان الروسي الصيني المشترك الذي تبناه الزعيمان الروسي والصيني، والذي تدعم فيه موسكو مبدأ (صين واحدة) وتعارض استقلال الجزيرة".

 

الاشتعال المرتقب للقضية التايوانية سيشكل تهديدا للسلام العالمي أكبر بكثير من القضية الأوكرانية.

يعلق المفكر المعروف الدكتور منير شفيق على البيان الروسي الصيني قائلا: "من يدقق في البيان المذكور لن يبالغ لو قال إنه ميثاق وحدة بين الصين وروسيا، فهو أكثر من بيان يُعلن تحالفاً بين دولتين، فقد ألمح في إحدى فقراته أنه يؤسس لعلاقات بين البلدين، أسمى من مجرد تحالفات سياسية وعسكرية، شبيهة بتلك التي عرفتها مرحلة الحرب الباردة. إنه يؤسس لصداقة بين البلدين لا حدود لها، فليس ثمة مجال يمكن أن يحول دون التعاون بينهما حوله، الأمر الذي يعني أن العلاقة التي يحددها البيان بين كل من روسيا والصين (كأنهما توحدتا) يدخل الوضع الدولي في مرحلة جديدة من توازن قوى غير معهود. فقد كانت كل دولة منهما قبل البيان نداً عسكرياً لأمريكا، فكيف يصبح الحال مع هذه الصداقة التي لا حدود لها؟". (المصدر: موقع عربي 21)

 

وسواء كان النظام القادم ثلاثيا كما ذكرنا قبل قليل (أمريكا، روسيا، الصين)، أم أقرب إلى نظام ثنائي (أمريكا في مواجهة تحالف روسيا والصين)، فيلاحظ ارتباك القارة العجوز (أوروبا) وتخلفها عن مركز الصدارة، وسيدفعها الحدث الأوكراني والخوف من طموحات روسيا والصين إلى مزيد من الاعتماد على أمريكا.

 

بعض الدول التي تقع في مناطق مرشحة لئن تكون (مناطق ملتهبة) في المستقبل القريب أخذت تعد العدة وتعيد حساباتها وتحالفاتها استعدادا للمرحلة القادمة، مثل: انضمام الهند إلى الجهود الأمريكية لتشكيل تحالفات في القارة الآسيوية لتطويق الصين.

وبالمقابل، تعزيز باكستان لصلاتها بالشريك الاستراتيجي الأهم بالنسبة لها (الصين)، وأيضا اتفاقية (التعاون الشامل) بين إيران والصين في يناير الماضي، والذي يسمح للصين بالتواجد العسكري في الموانئ الإيرانية.

ونضيف أيضا: التمدد الصهيوني الجديد في بعض الدول العربية، وكذلك التحسن الجذري للعلاقات التركية الخليجية.

 

تحالفات جديدة تتشكل، وتغييرات جوهرية آخذة في الظهور. ولكن هل التحالفات والتغيرات الجديدة في منطقتنا ستكون فعلا ذات مردود إيجابي بالنسبة لدول وشعوب المنطقة؟!