عودة طالبان: دروس وعبر

تاريخ النشر: 2 سبتمبر 2021م

 

1) الثبات والإصرار

ظلت حركة طالبان تقاتل التحالف الدولي بقيادة أمريكا لمدة عشرين سنة دون كلل أوملل، ودون انشغال بقضايا جانبية، ودون التفات إلى موقف ما يسمى بالمجتمع الدولي، ولم تبالي بالحرب النفسية والتشويه الإعلامي ضدها، فنظرة الآخر في النهاية تتوقف على شيء واحد فقط: هل انتصرت الحركة أم هزمت.

 

2) وضوح الرؤية ووحدة الهدف

منذ نشأة الحركة عام 1994م، وهي تعلن بكل وضوح سعيها لتشكيل دولة إسلامية، حسب مفهومها هي، ونظرتها هي، وابتداء من عام 2001م، أي بعد الاحتلال الأمريكي، أضافت هدفا آخر لابد من تحقيقه أولا: تحرير أفغانستان من الاحتلال الأجنبي. ولم يحصل أن وقع نزاع داخل الحركة حول هذين الهدفين.

 

3) فقه التوريث

لاحظنا أن الأغلبية الساحقة من هذه الآلاف المؤلفة من مسلحي طالبان هم من جيل الشباب، الذين كانوا أطفالا عند الظهور الأول للحركة في التسعينات، وهذا يعني أن قيادة الحركة نجحت في عملية التوريث والتربية (بمفهومهم). وقد فعلت ذلك تحت أصعب الظروف وأقساها، حيث كانت الحركة مشتتة في الجبال والكهوف والوديان، أو في صورة خلايا نائمة في المدن.

 

4) الالتزام بالمبدأ

بالرغم من الظروف الصعبة، وطول الأمد، ظل أفراد الحركة ملتزمين بمبادئهم التي يرونها هي الحق والصواب. وهذا -للأسف- لم يحدث مع بعض قادة المجاهدين، الذين كانوا أبطال الوغى طوال فترة الثمانينات.

لقد رأينا بعض قادة المجاهدين الذين جاهدوا الروس بكل قوة وإصرار، ومنهم برهان الدين رباني، وأحمد شاه مسعود، وعبد رب الرسول سياف يتحالفون مع المحتل الأمريكي الجديد عام 2001م في سبيل إسقاط حكم طالبان، وهذه ظاهرة غريبة تستحق الكثير من التدبر والتفكير.

 

5) الاعتماد على النفس

لقد عزز الحدث الأفغاني تلك المقولة الأمريكية الشهيرة "مصالح دائمة فقط"، أي لا التفات لصديق أو حليف. كان القرار المفاجئ بالانسحاب قرارا أمريكيا بحتا، لا التفات فيه لآراء أقرب حلفاء أمريكا إليها، كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ناهيك عن حلفاء أمريكا المحليين من الأفغان. وصدق المثل "المتغطي بالأمريكان.. عريان"!

 

6) ألاعيب السياسة

لا يمكن تصور أن هذا الانسحاب، بل الفرار الأمريكي الفاضح تم بدون ترتيبات معينة مع طالبان. قد يكون هناك نوع اتفاق -مثلا- على ألاّ تعمل طالبان على ملء الفراغ الناشئ عن الانسحاب الأمريكي بقوى أخرى مناوئة لأمريكا. وهذا لا يعني التشكيك في مصداقية طالبان، ولكن من فنون الصراعات السياسية أن يحدد الطرف المعني هدفه بناء على موقفه الراهن وقدراته الآنية: هل الهدف هو الخروج بأكبر قدر من المكاسب؟ أم هو الخروج بأقل قدر من الخسائر؟ هذا هو فن إدارة الصراعات.

 

7) تغيّر طالبان حقيقي أم مصطنع؟

مؤشرات تغير طالبان واضحة للعيان، ونرجو ألا يكون ذلك نهجا تكتيكيا مؤقتا. إذا كانت حركة طالبان تريد تطبيق شريعة الإسلام وإقامة دولة إسلامية فإن ذلك يفرض عليها مسئولية تقديم الدين الإسلامي الحنيف بصورة صحيحة، سواء للشعب الأفغاني نفسه أم للخارج.

إن الاعتدال والوسطية والتدرج من أخص خصائص الإسلام، وكل ذلك لا يعني بطبيعة الحال التساهل والميوعة الفكرية والانهزامية أمام الخصوم، كما يفعل ذلك بعض رموز العمل الإسلامي اليوم.