ظاهرة المبالغة في الوسطية

تاريخ النشر: 5 سبتمبر 2020م

 

المبالغة في الكرم تؤدي إلى الإسراف، والمبالغة في الحرص تؤدي إلى البخل. كما أن المبالغة في الشجاعة تعني التهور، والمبالغة في الحذر تعني الجبن. أما الوسطية فهذه معادلتها:

التخلي عن الوسطية = تطرف فكري..
والمبالغة في الوسطية = ميوعة فكرية

 

يحرص الكثير من الدعاة والمفكرين والجماعات الإسلامية على إظهار وسطية الإسلام ونهجه المتسامح المعتدل، وهذا حق، ولكن الرغبة الجامحة لدى البعض في إظهار هذه الوسطية تؤدي إلى نتائج عكسية، وإليكم بعض الأمثلة:

 

1) داعية ومفكر إسلامي شهير يعلن: "من حق الناس أن تقول ما تشاء في غير الفساد الأخلاقي.. الدعوة إلى الأفكار.. الاعتراض على الدولة.. الاعتراض على الحاكم.. الاعتراض حتى على الإسلام ما عندي مشكلة بيه.. حتى الاعتراض على الله تعالى وعلى رسول الله".

يتحفظ هذا الداعية فقط على الفساد الأخلاقي، ولا مشكلة في الاعتراض على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم! وهل هناك فساد أكبر من الاعتراض على الله ورسوله، والتطاول على القرآن والسنة؟ إنها الرغبة الجامحة في إظهار الوسطية ولو على حساب الثوابت.

 

2) داعية إسلامي معروف يكيل المديح للمهرج المدعو (الدكتور عدنان إبراهيم)، هذا الذي يسب سادتنا الصحابة رضي الله عنهم، ويؤمن بنظرية (داروين) ويقول: "قرود الشمبانزي أبناء عمومتنا"!

يقول الداعية (الوسطي) عن هذا المهرج: "علمه شرعي عميق.. من خلاله عرفت عمق الفكر الإسلامي.. سابق لزمانه.. عالم لا يشق له غبار.. صديق وحبيب أختلف معه في بعض القضايا.. عميق وصاحب حجة ودليل وبرهان"!

هكذا يخرب هذا الداعية (الوسطي) عقول الشيوخ والشباب من أبناء المسلمين، وكل ذلك من أجل إظهار اعتداله واحترامه (لكل) الآراء.

 

3) رئيس الفريق البرلماني لحزب إسلامي كبير، يتبجح قائلا: "لا بد من التمايز في المجالات والرموز والخطاب لأنه ليس مطلوبا مني كسياسي استحضار الآيات في ممارستي السياسية، بقدر ما أنا مطالب بتطبيق القانون والتشريع"!

هذا الإسلامي (الوسطي) قطع ثلاثة أرباع الطريق نحو العلمانية، ويبقى له الربع، ربما في القريب العاجل.

 

4) حزب إسلامي كبير، يتصدر الانتخابات في بلده، صوّت نوابه بالموافقة على قرار يسمح بتخفيض (أسعار الخمور) خدمة للشعب المسكين!

وقالت قيادية في هذا الحزب الإسلامي (الوسطي المعتدل) في تصريحات صحفية: "الفصل الذي صوت عليه أعضاء الحركة يتضمن سلعًا أساسية أخرى ومنتجات تمس المواطن البسيط بشكل مباشر مثل عصير الفواكه والخمور وزيوت البترول".

يا له من فتح مبين للحزب (الوسطي المعتدل). ونسأل: ما هي صفة هذا الحزب الآن: إسلامي أم ليبرالي أم علماني أم ...؟

 

هل بدأت العلمنة تغزو عقول وضمائر شرائح من الإسلاميين! يبدو أننا نحتاج اليوم إلى (الوسطية في تطبيق الوسطية)!