ثورات الربيع العربي ولحظة مصارحة (1)

تاريخ النشر: 14 نوفمبر 2017م

 

اندلعت هذه الثورات في خمس دول عربية هي تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، والنتيجة: فشل كل هذه الثورات في تحقيق أهدافها. قد يكون هذا الكلام قاسيا، ولكن مَن قال إن (الحقيقة) تكون دائما ناعمة أو مستساغة!

لا نقصد هنا الاستهانة بشعوب هذه الدول، ولا تجاهل التضحيات التي قدّمت، والدماء الطاهرة التي سالت.. أبدا. ولكن التاريخ أمانة في رقابنا جميعا.

 

أولا: الثورة التونسية

 

الهدف من الثورة تحسين الأوضاع الاقتصادية، وتحقيق العدالة والحريات، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، والشفافية والنزاهة، والعدالة في توزيع الثروة، ...إلخ. فقد كانت الأوضاع سيئة للغاية.

 

كان هروب بن علي والنجاة بجلده هو المؤشر على (نجاح) الثورة. وأصبح في تونس ديمقراطية، وانتخابات، وأحزاب سياسية، في مقدمتها حزب حركة النهضة الإسلامي، المعارض القوى للرئيس بن علي، ومن قبله الرئيس بورقيبة. كان النظام الحاكم في تونس منذ الاستقلال علمانيا أمنيا متطرفا، وكان معاديا للإسلام بصورة واضحة.

 

كان الهروب الكبير لزين العابدين بن علي مدويا ومفاجئا، فقد تخلى عن السلطة بسهولة كبيرة لم يتوقعها أحد، وهو الدكتاتور الدموي القوي.

وإلى هذه اللحظة، لم يتوقف أحد أمام هذه المسألة الخطيرة: لماذا تخلى الدكتاتور عن (مُلْكه) بهذه السهولة؟ ماذا جرى بالضبط؟ ومن كان وراء إجباره على التخلي عن السلطة؟ هل هو الشعب التونسي وثورته، أمام قوى أخرى لا نعلمها!

 

مرت على الثورة حوالي سبع سنوات. كيف هي تونس الثورة اليوم؟

من الذي يحكم البلد الآن.. إنه الرئيس الباجي قائد السبسي، أحد أركان النظام الدكتاتوري في عهدي بورقيبة وبن علي!

انظروا إلى تاريخه الحافل: وزير الداخلية (1965-1969)، وزير الدفاع (1969-1970)، سفير في فرنسا (1970-1971)، وزير الخارجية (1981-1986)، رئيس مجلس النواب (1990-1991)..

أي ثورة هذه، ولماذا قامت أصلا! أليس للتخلص من كل ما يمثل الحقبة المظلمة التي امتدت من الاستقلال إلى الثورة!

وماذا عن الوضع الاقتصادي؟ هل تحسن في ظل الثورة؟

 

يقول (أحمد طلب)، الصحافي والباحث المتخصص في الشأن الاقتصادي:
"كل محركات الاقتصاد التونسي شبه معطلة، نحن في حاجة إلى موارد مالية عاجلة خلال الأشهر المقبلة، تونس لم تعد قادرة على التصدي لالتزاماتها المتعددة إلا عن طريق الاقتراض.. كانت تلك كلمات وزير المالية التونسي بالنيابة، محمد الفاضل عبدالكافي، منذ أيام قليلة، وهي الكلمات التي أثارت رعب العديد من العرب، وليس التونسيين فقط. دعا الوزير أعضاء برلمان بلاده إلى التصديق الفوري على اتفاقات قروض خارجية لتسديد نفقات الدولة خلال شهري أغسطس وسبتمبر 2017".

 

ويقول: "تشير الإحصاءات إلى أن الاقتصاد التونسي يخسر سنويًا نحو نصف مليار دولار نتيجة التهريب، وعدم دفع الرسوم المستحقة عند إدخال البضائع إلى البلاد، ويكشف هذا الرقم الضخم عن تغلغل الفساد بقوة داخل الاقتصاد التونسي، ومع استمرار هذا الفساد ربما يكون من المستحيل أن يجد التحسن طريقًا لاقتصاد البلاد".

 

ما التغيير الذي أحدثته (الثورة) إذن؟ كان الشعب في السابق يعاني ولا شيء يلهيه عن هذه المعاناة.

أما اليوم، فهناك ديمقراطية وانتخابات وأحزاب تلهي الشعب -ولو قليلا- عن معاناته. إنها (لعبة الديمقراطية) في العالم الثالث.

 

وماذا عن الإسلاميين، وما موقع الإسلام في تونس الثورة؟

في عام 1960، خرج الرئيس (الدكتاتور) الحبيب بورقيبة على شاشة التلفاز في نهار رمضان وهو يشرب العصير ويطالب شعبه بالاقتداء به، لأن الصيام يعطل الإنتاج!

وفي عام 2017 طالب الرئيس (المنتخب) الباجي قائد السبسي بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، وبالسماح للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم!

 

أتدرون عن جلسة (الخمور) الشهيرة في البرلمان التونسي في ديسمبر 2015؟

قالت وكالات الأنباء: "صوت البرلمان التونسي على قرار بتخفيض نسبة الضريبة على أسعار بعض أنواع الخمور الفاخرة كالويسكي والجين والفودكا بنسبة تصل إلى 50% حيث صوت 96 نائبًا بنعم من جملة 108 نواب ليتم تمرير هذا القانون بالأغلبية الساحقة. وفسرت نائبة في حركة النهضة التونسية قرار تصويت أعضاء حركتها بنعم على تخفيض الضرائب على الخمور والمشروبات الكحولية، بأن الحركة تسعى في المقام الأول إلى تشجيع الناس على ترك الخمور ومن ثم فرض قانون يمنعها. وقالت القيادية والنائبة في مجلس الشعب يمنى الزغلامي في تصريحات صحفية: الفصل الذي صوت عليه أعضاء الحركة يتضمن سلعًا أساسية أخرى ومنتجات تمس المواطن البسيط بشكل مباشر مثل عصير الفواكه والخمور وزيوت البترول"!

 

الخمور تمس المواطن البسيط بشكل مباشر!!

أصبحت حرمات الإسلام تنتهك بمشاركة الإسلاميين!

 

في الجلسة إياها، وعندما انتهى النواب الأشاوس من الموافقة على تخفيض أسعار الخمور، ضربت مديرة الجلسة بمطرقتها ونادت: نتوقف لأداء صلاة المغرب!

عاشت الثورة..

 

***
المقال القادم بإذن الله عن الثورة المصرية.