فصل الخطاب في فنون الانقلاب

تاريخ النشر: 5 مايو 2015م

 

الانقلاب العسكري ليس (لعب عيال)، إذ أن له آدابه وفنونه وتقاليده الراسخة.

لذلك.. يصر بعض العرب على التمسك به والعض عليه بالنواجذ، ولا يهم إن كان الكون بأسره قد تجاوز حقبة الانقلابات العسكرية، فهذا الكون غير مؤهل -في معظمه- بالقيام بانقلابات عسكرية عبقرية، تتعامل مع دماء المواطنين كما تتعامل مع مياه المجاري!

 

1) من فنون الانقلاب، أن يكون القائد في مواجهة شعبه صريحا شجاعا لا يخاف في الله لومة لائم، فلا يضعهم أبدا في أجواء من الآمال الخادعة والأماني الواهية..

يجب أن يمتلك القائد الشجاعة الكافية أن يقول للشعب الطماع: "مفيش، معنديش، ما تطلبوش.."!

 

2) قام انقلاب عسكري في السودان عام 1989م دون مذابح ولا مجازر.. هذه ليست رجولة، وهذا انقلاب بدون هيبة ولا وقار، ولا لون ولا طعم ولا رائحة.

يجب على الانقلابي العربي الجاهل أن يتعلم من الانقلابي العربي الأستاذ.

كل انقلاب لا يكون في سجل إنجازاته عشرة آلاف شهيد وأربعين ألف سجين فهو ليس انقلابا، بل نزهة عائلية!

 

3) الانقلاب العسكري المثالي يلتزم دائما بالمبادئ الإنسانية والسلم والشرعية.

لذلك، فإن وزير خارجية الانقلاب السيد سامح شكري، قال بكل جرأة ووضوح أمام مجلس وزراء الخارجية العرب المنعقد في شرم الشيخ في أواخر مارس 2015م ما يلي: "موقفنا من الأزمة في اليمن يقوم على رفض القفز على الشرعية، ورفض سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، ولذا فان دعمنا أكيد لمؤسسات ورموز الدولة الشرعية والتي يتعين تمكينها من القيام بمسؤولياتها القومية من اجل الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية".

هل رأيتم؟! هكذا يجب أن يكون كل انقلاب: نصرة الشرعية ورفض الانقلاب!

 

4) فوائد الانقلاب لا تقتصر على بلد الانقلاب.. هذه قاعدة انقلابية يلتزم بها الانقلابي العربي الأصيل. لذلك، نجد هذا الانقلابي يذكّر إخوانه العرب، خاصة أبناء الخليج العربي، بنعم الله سبحانه وتعالى عليهم حتى يكونوا من الشاكرين الحامدين.

وجهت قيادة الانقلاب لنا نصيحة غالية عندما أيقظتنا من غفلتنا فقالت: "عندهم فلوس متلتلة زيّ الرزّ".. هكذا، وبمنتهى الفصاحة والبلاغة، ذكّرتنا قيادة الانقلاب بنعمتين من نعم المولى عزّ وجلّ علينا: الكاش والرزّ!

 

5) كما أن هناك (فوضى خلاّقة) ترعاها أمريكا، فإن هناك أيضا (تناقضات خلاّقة) يتبناها الانقلاب العربي المثالي..

فاليوم، الجيش المصري على بعد "مسافة السكة".. وغدا، "الجيش المصري لمصر فقط"..

اليوم، يحارب الحوثيين.. وغدا، يستقبل وفدا حوثيا سريا في عاصمته!

واليوم، إعلام الانقلاب يمدح ويحترم دول الخليج.. وغدا، يسب ويهدد!

 

هذه التناقضات سميناها (خلاّقة) لأن لها أهدافا إستراتيجية قد لا يفطن لها كثير من الناس.

من ضمن هذه الأهداف، التذكير الدائم -مع بعض التخويف- للأشقاء في الخليج العربي: "استمروا في ضخ المليارات وإلاّ..."!

 

هذه بعض فنون الانقلاب، التي لم يفطن لها من قبل جنرالات تركيا، ولا جنرالات باكستان، ولا حتى الجنرال بينوشيه.