إيران إسلامية جامعة أم مذهبية قامعة؟

تاريخ النشر: 26 يناير 2007م

 

كان نجاح الثورة الإيرانية وما نتج عنها من تغيير شامل في نظام الحكم في إيران حدثا بارزا على المستوى العالمي، بل من بين أكثر الأحداث أهمية وخطورة خلال الربع الأخير من القرن الميلادي المنصرم.

وقد كان لهذه الثورة أثر كبير في شعوب العالم الإسلامي المتطلعة إلى الحرية والكرامة والتخلص من هيمنة القوى الاستعمارية، وفي الحركات الإسلامية المتطلعة إلى الحكم الإسلامي العادل.

 

انتبه النظام الإيراني الجديد منذ اليوم الأول إلى أهمية الإعلام ودوره في كسب المؤيدين والترويج لمبادئ الثورة وكسب تعاطف "المستضعفين" في شتى أنحاء المعمورة. كما حرص النظام الجديد على رفع راية الإسلام التوحيدية، والتركيز على الوحدة الإسلامية. ولقد كان للبروباغندا الهائلة التي بناها ورعاها وأشرف عليها نظام ولاية الفقيه بقيادة آية الله الخميني، كان لها دورا رئيسا في إضفاء هالات الإعجاب وكسب التأييد، بل والتبعية للنظام الجديد. ولكن شيئا فشيئا أخذت الأمور تتضح والحقائق تظهر والغشاوة -على أعين الكثيرين- تنقشع لتظهر الحقيقة، وينكشف المستور.. ذلك المستور الذي كان لا بد من انكشافه مهما بلغت أجهزة الدعاية من فنون التضليل وقلب الحقائق، ومهما ضخ فيها من ملايين النفط!

 

السياسة الخارجية: مصلحة إيران أم الإسلام؟

من حق كل دولة أن تسعى من أجل مصالحها، وأن تتبنى سياسة خارجية تكفل لها حفظ هذه المصالح على المستويين الإقليمي والدولي، ولكن السياسة الخارجية الإيرانية مارست نوعا من التقيّة السياسية بتغليف نفسها بغلاف من الادعاءات الجوفاء مضمونها أن مصلحة الإسلام والمسلمين هو المحرك الرئيس للسياسة الخارجية الإيرانية! ولجأت إلى أسلوب "الفقاعات الإعلامية" التي تظهرها بهذه الصورة، كتبني "أسبوع الوحدة الإسلامية" و"يوم القدس العالمي"، ودعوة واستضافة الكثير من الوفود والشخصيات الإسلامية وغيرها من الفعاليات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بالإضافة إلى اعتماد أسلوب إطلاق التصريحات النارية التي من شأنها إثارة عواطف الشعوب العربية والإسلامية التي تعاني من استبداد الأنظمة وهيمنة الأجنبي، كتصريحات أحمدي نجاد حول "حرق إسرائيل" وما شابه ذلك من فقاعات دعائية و"قنابل صوتية"!

وتستغل إيران بصورة جيدة ضعف الأنظمة العربية (ضعفها حتى عن إطلاق تصريحات نارية!!) وتكالبها على إرضاء الصهاينة والأمريكان فتظهر نفسها بصورة الدولة الوحيدة القادرة على التصدي للأعداء والدفاع عن مصالح المسلمين. ولكن ستظل كلمات محمد علي أبطحي وصمة عار في جبين النظام الإيراني مهما دعت أو ادعت.. ستظل عبارة ((لولا طهران ما سقطت كابول وبغداد)) هي المعبّر الحقيقي عن السياسة الإيرانية.

 

لقد تبنت إيران سياسة قائمة على ركنين رئيسين: المحافظة على مصالحها القومية العنصرية، والتمكين لمبادئها المذهبية الطائفية، ولا يهمها في سبيل ذلك أن تتعاون ولو مع الشيطان الأكبر، ولن يؤنبها ضميرها لو أدى هذا التعاون إلى سقوط عاصمتين إسلاميتين بيد المستكبر العالمي.

إن إيران تتحمل الوزر الأكبر بعد أمريكا -بل مع أمريكا- في ما يعانيه الشعب العراقي الشقيق من مذابح وتصفيات يشيب لهولها الولدان، وكذلك لما يحصل في أفغانستان من تركيع وإذلال للشعب الأفغاني الباسل لنزع بقايا الروح الجهادية التي تحلى بها في تصديه للعدوان الروسي على دينه وأرضه، وهل يرضى نظام "ولاية الفقيه" بنظام إسلامي سني بجواره؟!

وها هي إيران اليوم لا تمانع في إشعال فتيل الفتنة في بلد عربي آخر هو لبنان من أجل مصالحها القومية والمذهبية.

 

أما عندما تتعارض مصالح الإسلام والمسلمين مع المصلحة الخاصة، عنده، يتوقف العويل والتباكي على الإسلام والمسلمين، وتنكمش البروباغندا الرهيبة بل وتختفي وكأنها لم تكن.

أين كانت إيران من مصائب الشعب الشيشاني البطل وهو يناضل من أجل وجوده؟ هنا كانت السياسة الإيرانية تعمل جاهدة من أجل إرضاء الدب الروسي الذي يربطه مع نظام ولاية الفقيه مصالح لا أول لها ولا آخر.. بل وأين كانت إيران أثناء الحرب الآذرية الأرمنية والصراع على مقاطعة (ناغورنو قرة باخ)؟ هنا وقفت "الجمهورية الإسلامية" مع الأرمن (أشد النصارى تعصبا ضد الإسلام)، وقفت معهم ضد أبناء عمومتها وإخوانها في الدين، لأن انتصار آذربيجان في هذه الحرب وخروجها قوية قد يفتح شهية سكان القسم الإيراني من آذربيجان للمطالبة بالانضمام للوطن الأم بدلا من بقائهم تحت سيطرة العنصر الفارسي!

ولقد كنا نتوقع من النظام "الإسلامي" الجديد في إيران أن يبادر -في أول إثبات عملي له على صدق نواياه- إلى إرجاع الجزر العربية الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى إلى الإمارات.. ولكن يبدوا أن وشائج القربى وصلات التكامل بين نظامي "عرش الطاووس" السابق و"ولاية الفقيه" الحالي أقوى مما نتصور!

 

تصدير الثورة أم تصدير التشيع!

نظرا للمستجدات الدولية، أسدلت إيران الستار على شعارات تصدير الثورة ولكن حافظت على جوهر الإستراتيجية إياها وهي "التمدد الخارجي السلمي"! والذي يتم تصديره في واقع الحال هو التشيع المشبع بالروح الصفوية. إن المتتبع للنشاط الإيراني الخارجي ليصاب بالدهشة من هذا الإصرار المحموم على (خلق) أقليات شيعية في مجتمعات إسلامية سنية لا تعاني إطلاقا من أي مشاكل ذات صبغة مذهبية.

لقد تحولت بعض السفارات والبعثات الإيرانية في الخارج إلى بؤر لزرع الفتن وشق الصف وإثارة المشكلات الطائفية، وها هي الأخبار تتوارد عما يحدث في دول إسلامية كثيرة: في شرق أفريقيا كجزر القمر وتنزانيا، وغرب أفريقيا كنيجيريا والسنغال، وبعض الدول العربية كمصر وفلسطين وسوريا واليمن، وجنوب شرق آسيا كإندونيسيا وجنوب الفلبين وغيرها.

إن المرء ليصاب بالحيرة والدهشة وهو يشاهد "الجمهورية الإسلامية" تنفق الملايين لنشر التشيع مستغلة ذات الثالوث القاتل الذي تستغله أجهزة التنصير الكنسية العالمية: الفقر والجهل والمرض! وإن المرء ليصاب بالغثيان(!) وهو يرى الدولة الإسلامية المناهضة للاستكبار العالمي(!) وهي تعرض عن هداية الملايين من الكفرة الوثنيين في آسيا وأفريقيا وتعمل بدلا من ذلك على "تبصير!" أبناء أهل السنة والجماعة بالمذهب "الحق!".

 

أهل السنة في إيران

لا توجد إحصائية مؤكدة عن التوزيع المذهبي في إيران، والحكومة الإيرانية حريصة على كتم المعلومات المتعلقة بأعداد أهل السنة، ولكن يرجح أن نسبتهم تتراوح من 20% إلى 25% اعتمادا على نسب الأقليات من الأعراق المختلفة التي تتبع معظمها مذهب أهل السنة والجماعة.

فهناك الأكراد الذين يعيشون في المناطق الغربية والشمالية الغربية، ويشكلون غالبية سكان محافظتي كردستان وسنندج، وجزءا مهما من محافظتي كرمنشاه وأذربيجان الغربية. وعدد الأكراد في إيران يبلغ حولي 8 ملايين نسمة. وهناك سكان إقليم طاليش المطل على بحر قزوين، وعددهم حوالي مليون نسمة.

وهناك التركمان المتواجدين بصورة أساسية في محافظة خراسان في الشمال الشرقي قريبا من حدود أفغانستان وتركمنستان ولا يقل عددهم عن المليون نسمة، ويبلغ عدد سكان محافظة بلوشستان السنية في الجنوب الشرقي حوالي المليونين.

أما السنة من ذوي الأصول العربية في الجنوب والجنوب الغربي فيبلغ عددهم حوالي المليونين. بالإضافة إلى أهل السنة من العنصر الفارسي والذين يتوزعون على المدن المختلفة.

 

والآن لننظر إلى أحوال أهل السنة في إيران التي ترفع رايات الوحدة الإسلامية والأخوة في الدين:

 

جرت تصفيات جسدية بحق الكثير من زعماء وقيادات أهل السنة طوال حقبة الثمانينات والنصف الأول من التسعينات من القرن الميلادي المنصرم. فقد تعرض للتصفية الجسدية على سبيل المثال العلامة الشهيد (أحمد مفتي زادة)، الزعيم الإسلامي الكردي الذي ناصر الثورة الخمينية وكافأته الثورة بالسجن والتعذيب، حتى إذا أوشك على الموت أطلقت سراحه ليموت خارج جدران السجن عام 1993م، وكذلك الشهيد الشيخ (ناصر سبحاني) من كردستان، والشيخ (محمد ربيعي) إمام جمعة كرمنشاه، والعلامة الشهيد (سيد محمود حسيني نسب) من مدينة سنندج، والذي تم تصفيته عام 1994م.
أما في الجنوب فقد جرت تصفية الشيخ الشهيد (محمد صالح ضيائي) من مدينة عوض عام 1994م وشارك خمسون ألفا من أهل السنة في جنازته، والذي أدى مقتله إلى اندلاع اضطرابات واسعة في الجنوب كما نقلت ذلك مجلة (المجتمع) الكويتية بتاريخ 9 أغسطس 1994م.
ومن أبناء الفرس السنة نذكر على سبيل المثال الشهيد المفكر د. علي مظفريان من مدينة شيراز والذي قتل عام 1992م وقد نشرت مجلة (الإصلاح) الإماراتية جوانب من سيرته العطرة بتاريخ 24 سبتمبر 1992م.
أما في محافظة بلوشستان فعدد الشهداء من العلماء وطلبة العلم من أهل السنة فأكبر من أن يسع ذكرهم هذا المقال.

ممارسة الإقصاء والتهميش بحق السنة إلى درجة لا تتصور. فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، والتي جرى تشكيل عشرات الوزارات خلاله، والتي شملت المئات من الوزراء والوكلاء لا نجد سنيا واحدا بينهم: لا وزير ولا وكيل ولا حتى مدير إدارة في وزارة من الوزارات! ولم يتبوأ منصب محافظ سني واحد ولو كانت المحافظة المعنية سنية خالصة! ولا تجد سنيا واحدا يشغل منصب رفيعا أو شبه رفيع في كافة الدوائر السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية!

سياسة التغيير الديموغرافي التي تمارسها السلطة في مناطق أهل السنة بهدف تقليل المناطق التي يشكل فيها السنة أغلبية، ومن الأمثلة على ذلك بعض المدن والموانئ والجزر العربية في المناطق الجنوبية.

هدم مساجد أهل السنة، كما جرى لمسجد (الشيخ فيض) في مدينة مشهد والذي هدم تماما بتاريخ أول فبراير عام 1994م.

 

هذا هو حال أهل السنة في إيران. ونذكر للأمانة أن وضعهم قد تطور إلى الأحسن نوعا ما خلال ولايتي الرئيس محمد خاتمي فتوقفت أو قلت التصفيات الجسدية، ولكن التهميش والإقصاء ما زال على قدم وساق.

 

أليس من المخزي في حق "الجمهورية الإسلامية" أن تكون أوضاع الأقليات الشيعية في كافة الدول الإسلامية أفضل بكثير من أوضاع الأقلية السنية في إيران؟!